زاد الاردن الاخباري -
قال المعلق ديفيد إغناطيوس بمقال نشرته صحيفة “واشنطن بوست” إن “بوتين متهور لأننا سمحنا له بأن يكون كذلك”. وقال: “نتحدث دائما عن العودة إلى عقلية الحرب الباردة، ونادرا ما ظهرت هذه العقلية أكثر من إعلان الرئيس فلاديمير بوتين يوم الثلاثاء اللقاح الروسي لمواجهة فيروس كورونا واسمه “سبوتنك 5″ مستحضرا الصاروخ المركبة الفضائية الروسية التي أدت إلى سباق الفضاء عام 1957”.
وأشار إلى ما قاله السيناتور المستقل عن ولاية مين أنغس كينغ “أعتقد أنهم يتعاملون معه كنوع من الانقلاب الدعائي”، ولاحظ أن روسيا تخطط لتوفير اللقاح هذا الشهر قبل أن تكمل التجارب المعروفة حول سلامته. ويرى كينغ، عضو لجنتي الاستخبارات والقوات المسلحة، في الأخبار مثالا آخر عن روسيا العدوانية التي تحاول توسيع تأثيرها، بثمن قليل وبأكبر قدر من التأثير. ويقول إن الولايات المتحدة هي الهدف الرئيسي لبوتين في حملة “كل شيء قابل لأن يحدث” ومحاولته إحياء سمعة بلاده كقوة عظمى. وتضم جهوده زيادة الدعم للرئيس دونالد ترامب في حملة إعادة انتخابه وتكرار تدخل الكرملين قبل أربع سنوات في الانتخابات الرئاسية حسب ويليام إيفانينا، مدير المركز الوطني لمكافحة التجسس والأمن. وقال إيفانينا في بيان له الأسبوع الماضي: “نقيم أن روسيا تستخدم عددا من الإجراءات في محاولة للحط من نائب الرئيس السابق جوزيف بايدن وما تراها مؤسسة معادية لروسيا”، مضيفا: “يحاول بعض اللاعبين المرتبطين بالكرملين دفع ترشيح الرئيس ترامب”، محذرا في الوقت نفسه من التدخل الصيني والإيراني في الانتخابات. ولكن المهنيين في الاستخبارات يرون أن جهود هذين البلدين أقل إتقانا وإقناعا وخطورة من الجهود الروسية.
ويبدو بوتين غير مبال بالمخاطر والتداعيات وربما كان أكثر خبثا من هذا. فإعادة انتخاب ترامب تبدو هدفا بعيدا الآن، وحتى ولو لم يفز الرئيس الحالي فإن الانقسام الأمريكي بمرحلة ما بعد الانتخابات سينفع بوتين. وتساءل إغناطيوس: ماذا لو لم ينجح اللقاح الجديد؟ يجيب إغناطيوس أن بوتين قد ينكر النتائج السلبية ويتجاهلها، وربما قام بسرقة نسخة يمكن أن تعمل. وماذا لو تم الكشف عن رجال المخابرات الروس الذين دفعوا لطالبان مالا لقتل الجنود الأمريكيين أو القتلة الروس في أوروبا؟ لا يهم فقد نجح بوتين في استفزاز أعدائه. ففي محاولاته للحصول على اعتراف أو انتقام، يقوم بوتين بتحدي الأعراف في السلوك الدولي. ولهذا السبب يبدو موضوع المكافآت التي قدمها الروس لطالبان مهما، ورفض ترامب مواجهة بوتين بالموضوع يقلق الأمريكيين. فهذا رئيس روسي لن يتوقف حتى يتحداه أحد. ولدى المخابرات العسكرية الأمريكية أدلة واضحة عن قيام وحدة 29155 بوضع مكافآت على رؤوس جنود البحرية الأمريكية لطالبان الذين قتلت تفجيراتهم ثلاثة من المارينز عام 2019. وهناك أدلة جنائية تربط بين ضباط المخابرات الروس في أفغانستان والعملاء الذين حاولوا تسميم العميل المنشق سيرغي سكريبال في سالزبري بإنكلترا في آذار/مارس 2018. ويرى إغناطيوس أن بوتين يعيش داخل دوامة لا نهاية لها من الانتقام. فقد انتهى الاتحاد السوفييتي ومات وأصبحت الحرب الباردة تاريخا قديما لكن ليس لعميل كي جي بي السابق، بوتين. ولكنه لا يزال يخوض معركة خاسرة، فلا يكفي تفكيك أعدائه بل ويحاول قتلهم. وبدلا من إصلاح النظام الروسي الفاسد والديكتاتوري يحاول تقويض الديمقراطية الأمريكية الهشة. واستطاع الأوروبيون ملاحقة لعبة تصفية الحسابات لبوتين لأن عملاءه لا يهتمون بتغطية آثارهم. وكشف الموقع الاستقصائي البريطاني “بيلينغكات” أن عميلين للمخابرات الروسية سمما عام 2015 تاجر سلاح بلغاريا. ووصف الموقع دور الروس في المحاولة الانقلابية في جمهورية مونتينيغرو. ووضع المحقق الخاص روبرت موللر النقاط على الحروف عن هجوم عملاء المخابرات الروسية على موقع للحزب الديمقراطي في آذار/مارس 2016. وكشف البريطانيون عن دور العملاء الروس في محاولة اغتيال سكريبال عام 2018. وبعد شهر من المحاولة تم القبض على أربعة ضباط في المخابرات الروسية في عملية قرصنة فاشلة في هولندا. وكان العملاء الروس بجرأة كافية جعلتهم يقيمون قاعدة دعم خلفية لهم في جبال الألب واستخدمها 15 عميلا، حسب تقرير نشرته صحيفة “لوموند” في كانون الأول/ديسمبر 2019. ولم يحاولوا قتل منشق روسي في بريطانيا بل وأرسلوا فرقة قبل أربعة أعوام لقتل منشق لم تكشف عن هويته في فلوريدا حسب تقرير لصحيفة “نيويورك تايمز” عام 2018.
وتساءل الكاتب عن الطريقة التي يجب على أمريكا التعامل فيها مع روسيا؟ يجيب أن وزيري الدفاع والخارجية السابقين ويليام بيري وجورج شولتز انضما إلى 100 خبير بارز ووقعا على رسالة طالبوا فيها بمحاولة برغماتية غير عاطفية لإعادة بناء العلاقات مع روسيا. وإعادة التفكير سياسة خارجية ثمينة، لكن في هذه الحالة، مع روسيا يجب أن تبدأ عملية إعادة تفكير الكرملين الذي يشعر بالمرارة ويتلذذ بأيقونات الحرب الباردة وبلا تعقل يسخر من الولايات المتحدة. وبوتين يستمتع بمهاجمة أعدائه لكنه لن يفوز في هذه المعركة على المدى الطويل.