دعاة الإصلاح متهمون أنهم يعملون ضد الدولة الأردنية، وأن لهم أجندتهم الخاصة، وولاءاتهم الخارجية، إلى غير ذلك من التهم المعلبة الجاهزة التي توظفها الحكومات للالتفاف على حركات الإصلاح وتشويهها والتشكيك في نواياها. ويكاد لا يسلم أحد من هذه التهم سواء كتب مطالباً بالإصلاح أو نظم المسيرات والاعتصامات، فكلها وسائل شيطانية بحسبهم، وكأن المطلوب من المواطن أن يضع رأسه في الرمال، ويغض الطرف عن كل ما يحدث، فالحكومات لها مطلق الحرية أن تصلح أو تفسد، تعمل أو تنام، تحسن أم تسيء. ويؤازر هؤلاء بعض الكتاب المجيشين المستعدين دوماً للطعن في النوايا، وتحليل الحركات والسكنات، وتصنيف الناس حسب المرحلة والظرف وبما يمليه عليهم أسيادهم وأولياء نعمتهم! ولكن ما قول هؤلاء عندما تكون الدعوة إلى الإصلاح نهجاً ملكياً كريماً يتردد في كل كتب التكليف السامية والرسائل الملكية إلى رؤوساء الحكومات، بل إن جلالة الملك يتقدم جميع دعاة الإصلاح، لأن الإصلاح سنة كونية، ودعامة قوية للدول، ولا يعانده إلا مكابر جاهل لا يدرك مصلحة الوطن، أو هو قاصد متعمد يعمل ضد مصلحة الوطن وما ينفع المواطنين. وعودة إلى كتب التكليف السامي لحكومة البخيت فإننا نقرأ: أولاً: كتاب التكليف السامي لحكومة البخيت الأولى 24-11-2005 - "فاني اعهد إليك بتشكيل حكومة جديدة تترجم رؤيتنا الإصلاحية وتواصل العمل وتعلي البنيان وتصحح ما يمكن اعتباره خللاً أو تقصيراً غير مقصود وتستخلص العبر مما كان اعترى جوانب المسيرة من هنّات أو سلبيات في هذا المجال أو ذاك. " - "وكما أكدنا دائما أن الإصلاح لم يعد خيارا فقط بل هو ضرورة حياتية للأردن الجديد الذي نريد، والذي قطعنا شوطا مهما في مسيرة إبرازه وتجسيده، ولهذا فان الحكومة مدعوة، بل هي مطالبة بأن تكرس الإصلاح مفهوما ومعنى في جدول أعمالها اليومي، باعتبار الديمقراطية نهجا لا حيدة عنه، والديمقراطية كما هو معروف ثقافة وممارسة وليس مجرد شعارات ترفع في المناسبات، ولهذا فإن الحكومة مطالبة بمأسسة عملية الإصلاح والتحديث والتطوير وإننا نجد في توصيات لجنتي الأجندة الوطنية والأقاليم ما يمكن أن يعد هادياً ومرشداً للحكومة للاستناد إليها في تبني برنامج الإصلاح الشامل اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا. وفي ضوء مخرجات هاتين اللجنتين فالحكومة مطالبة بإعداد جملة قوانين في شكل سريع وعاجل ولكن يجب أن تتوخى العصرية والعدالة والمتغيرات، والقوانين المقصودة هي قانون جديد للانتخاب وآخر للأحزاب وثالث للبلديات وبما يسمح بتجديد حياتنا السياسية والبرلمانية ويضمن مشاركة أوسع في عملية صنع القرار، ويسهم في وضع بلدنا على خارطة الدول الخلاقة والصاعدة التي تتفاعل مع المتغيرات وتتكيف معها، وفق مصالح شعبنا في عصر تعصف فيه رياح العولمة وتحتدم فيه المنافسة ولا يصمد فيه غير الشعب المنتج والمواطن الحر ودولة القانون والنظام. " - "كما أن الحكومة مطالبة بوضع خطط عملية وسريعة للشروع فورا بمعالجة جيوب الفقر والحد من البطالة" - " فان على هذه الحكومة أن تضع نصب عينيها وبشكل لا يقبل التهاون أو التباطؤ أو التردد بالعمل الجاد والمسؤول على مكافحة الفساد والمفسدين ومحاربة المحسوبية ومروجي الاتهامات الباطلة التي يراد منها اغتيال الشخصية." - "إننا إذ نؤكد على الالتزام بما ورد في كتابنا من توجيهات وندعو إلى ترجمتها ميدانيا على الأرض." ثانياً: كتاب التكليف السامي لحكومة البخيت الثانية 1-2-2011 -" فإننا نكلفك بتشكيل حكومة جديدة، تكون مهمتها الرئيسية اتخاذ خطوات عملية وسريعة وملموسة، لإطلاق مسيرة إصلاح سياسي حقيقي، تعكس رؤيتنا الإصلاحية التحديثية التطويرية الشاملة، لنمضي بها خطوات واثقة على طريق تعزيز الديمقراطية، واستكمال مسيرة البناء، التي تفتح آفاق الانجاز واسعة أمام كل أبناء شعبنا الأبي الغالي، وتوفر لهم الحياة الآمنة الكريمة التي يستحقونها. وقد اعتمدنا، منذ تحملنا أمانة المسؤولية، الإصلاح الشامل سبيلاً ثابتاً لمراكمة إنجازات الوطن، ومواكبة روح العصر الجديد الذي تفرض تحدياته إطلاق طاقات جميع الأردنيين لتجاوزها، وتتطلب الإفادة من فرصه تمكين كل أبناء الوطن من أدوات العلم والمعرفة والتأهيل. وأوضحنا أهمية التركيز على الإصلاح الاقتصادي ضرورةً لتوفير أفضل سبل العيش لأهلنا في جميع أنحاء الوطن، وهدفاً لن يصل إلى مداه من دون إصلاح سياسي يزيد من مشاركة المواطنين في صناعة القرار، ويبني المؤسسات الفاعلة التي تحتضن العمل البرامجي بفاعلية وشفافية، والتي تحتكم إلى تشريعات حديثة وعصرية تنسجم مع أفضل المعايير الديمقراطية. إلا أن المسيرة عانت من ثغرات واختلالات أنتجها خوف البعض من التغيير ومقاومتهم له حماية لمصالحهم، والتردد في اتخاذ القرار من قبل الكثيرين ممن أوكلت إليهم أمانة المسؤولية، إضافة إلى سياسات الاسترضاء التي قدمت المصالح الخاصة على الصالح العام، فكلفت الوطن غالياً وحرمته العديد من فرص الإنجاز. وفي ضوء ذلك، فإننا نكلفك بإجراء عملية تقييم شاملة، تفضي إلى إجراءات فاعلة تعالج أخطاء الماضي، وإلى خطة عمل واضحة تمضي بمسيرة الإصلاح إلى الأمام، من خلال مراجعة جميع القوانين الناظمة للعمل السياسي والمدني والحريات العامة وتطويرها. ويأتي قانون الانتخاب، الذي يشكل ركيزة التنمية السياسية الحقيقية، في مقدمة هذه التشريعات، التي تشمل قوانين الأحزاب والاجتماعات العامة والبلديات والعقوبات والمطبوعات والنشر وحق الحصول على المعلومة وغيرها. وفي ضوء ذلك، فإننا ننتظر منك أن ترفع إلينا في أسرع وقت ممكن توصيتك حول آلية حوار وطني شامل ممنهج، تتمثل فيه جميع مكونات مجتمعنا وأطيافه، للتوافق على قانون انتخاب جديد، يعزز الهوية الوطنية الجامعة، ويسهم في تطوير العمل السياسي الحزبي الجماعي، بحيث يكون التنافس على خدمة الوطن والمواطن على أساس الأفكار والبرامج، وللاتفاق أيضاً على كل الخطوات اللازمة لتسريع وتيرة مسيرتنا الديمقراطية، وبما يضمن أعلى درجات المشاركة الشعبية في صناعة القرار. ولا بد هنا من التأكيد على ضرورة تقوية البنية المؤسسية اللازمة لمحاربة كل أشكال الفساد، واتخاذ أقصى الإجراءات القانونية بحق من يثبت تورطه فيه." ثالثاً: الرسالة الملكية السامية للبخيت 22-3-2011 "لقد راجعنا المسيرة منذ استئناف الديمقراطية قبل ما يزيد على عشرين سنة، وكنا حريصين على الإصلاح الشامل، وما نزال، وقد شهدنا مراحل مختلفة في باب التحديث والتجديد، تحقق فيها نجاح كبير، ولاحظنا أحيانا أن قوى تشد المسيرة إلى التراجع، وأخرى تحيطها بأفكار لا تتناسب والتقدم، وثالثة تنتهز الظروف لتجنح إلى الفساد على حساب مصالح شعبنا وتقدم شبابه بطاقاتهم الخلاقة إلى المشهد الإصلاحي من أجل أردن جديد يليق به الإبداع والتعددية وتكافؤ الفرص والالتزام الكامل بحقوق الإنسان. " - "إن جملة من القضايا الرئيسة في مسيرة الإصلاح تحتاج إلى إجراءات سريعة وحاسمة ومتابعة وتقييم، ولا بد من جعلها بين الأولويات في عمل الحكومة وسائر المؤسسات ذات الصلة، وهي: اجتثاث الفساد، فلا بد من ملاحقة الفاسدين والإطاحة بهم، وعزلهم، وإذا ظل الحديث عن مكافحة الفساد فهذا يقع في باب المفاهيم لا في باب الإصلاح، لذلك أتوقع أن تجتث المؤسسات المكلفة بذلك، ما ظل من جيوب الفاسدين صغيرة كانت أو كبيرة؛ وأن يوقع عليهم القصاص الذي يستحقونه في دولتنا، دولة القانون والمؤسسات. كما أوجه بضرورة أن تصدر هيئة مكافحة الفساد تقريرا كل شهر عن إنجازاتها لكي يعلم الرأي العام بها بكل شفافية ومسؤولية. إنجاز القوانين الناظمة للإصلاح السياسي، وإني لعلى ثقة بأن لجنة الحوار الوطني ستنهي عملها حول قانون انتخاب ديمقراطي يضمن تمثيل أبناء شعبنا كافة، وقانون الأحزاب في الوقت المحدد لها، بينما تنهي السلطة التشريعية قانون الاجتماعات العامة، وتفرغ الحكومة من قانون البلديات الذي ستجري على أساسه الانتخابات البلدية هذا العام، بعد مروره بمراحله التشريعية، بما في ذلك أمانة عمان الكبرى." - "إن الإصلاح الشامل غاية لا وسيلة، وإننا نتفهم الحراك السياسي وأصوات الشباب، فهم صوت وطني منا ولنا، وبهم نؤسس إصلاحا حقيقيا ومجلسا نيابيا يمثل كل الأردنيين، مما يعزز نتائج الحوار الوطني والإصلاح السياسي ويرسخ قيم العدالة والشفافية والنزاهة. إنني إذ أؤكد على إنجاز الإصلاح السياسي لأدرك أن ميدان معركتنا الكبيرة في الإصلاح هو الاقتصاد، فقد صبر شعبنا على الفقر والبطالة ونقص فرص العمل، وبذلنا جهودا كبيرة في ميدان الإصلاح الذي اعتراه بعض الخلل، خصوصا في ضوء أزمة عالمية خانقة. " - "إننا أبناء دولة ندافع عن تقدمها وسيادتها وصورتها الديمقراطية، وهي ليست جديدة على الإصلاح والمعارضة، لكنها دولة التوافق والتراضي بين أهلها في سائر شؤونهم، وإن لنا من نظامنا السياسي الديموقراطي الدستوري جدارا نستند إليه، ولنا إرث عظيم في الحرية والعدل، والمستقبل الواعد، ويوحدنا حول هذا كله حب للوطن. " - "إنني لن ألتمس بعد اليوم عذرا للتأخير في دورة الحياة في عروق الإصلاح السياسي والاقتصادي، وأن المطلوب، يا دولة الأخ، أن لا تقبل من مقصر أن يبدي حججا واهية لخلل أصاب عملا في إطار مسؤولياته، خاصة في مجالات التعليم والصحة وسائر المسؤوليات الرقابية والإدارية، كما أنه ليس من المقبول أن تظل البيروقراطية حجر عثرة في سبيل إنجاز متطلبات الناس وحاجاتهم، ونحن بلد متقدم في العلم والتكنولوجيا. " ومراجعة منصفة لإنجازات حكومة البخيت الأولى وما قطع في الثانية، ومقارنته بما كُلف به وحكومته، ندرك حجم الخلل، وأن الحكومات الأردنية عاجزة عن ترجمة كتب التكليف السامية على أرض الواقع. ولا يجد المراقب عذراً لذلك، فكتاب التكليف السامي هو بمثابة عقد قبل به الرئيس وتعهد بتنفيذه، وبناءً عليه تسلم مهمته. إن دعاة الإصلاح يدفعهم حبهم وخوفهم على الأردن، وولاءهم المطلق للقيادة الهاشمية، لأن يطالبوا بالإصلاح، وهم يرون الخلل والتقصير والعجز، ولا يريدون إلا ترجمة كتب التكليف والرسائل الملكية الملكية السامية على أرض الواقع، مؤكدين أن لا اختلاف على القيادة الهاشمية الحكيمة، ولا مساس بأمن الأردن ووحدته وترابه الطهور. ومشكلتهم فقط مع الحكومات التي عجزت عن القيام بواجباتها والمهام المنوطة بها، وهم يلتقون مع جلالة الملك إذ يقيل الحكومات عندما تعجز وتتقاعص عن ترجمة رؤاه وأفكاره ودعواته وتوجيهاته.
mosa2x@yahoo.com