موطني... ودموعي... بقلم: د. آية عبد الله الأسمر أرسلت لي صديقة من صبايا 29 شباط رسالة بعنوان "خبر عاجل... تم توحيد النشيد الوطني لجميع الدول العربية"، فتحت الملف المرفق بلهفة طفل يخطو خطواته الأولى على أرض الحلم المورق بين أهداب الشمس، فتحت الملف ونبضي يتسارع يسابق الدهشة المبعثرة على وجه فنجان قهوة لذيذة على مرارتها، أتخطى بفرحتي هواجس زمن تكسّر على مقعد الذاكرة وبروتوكولات أربعة وعشرين مزّقت بحكمتها أحلامي المكوّمة على رفوف ال67. فتحت الملف وبدأت أستمع إلى نشيد موطني المرفق به، إلا أن النشيد كان محوّرا وكلماته مختلفة تنضح بالأسى والألم وتنزف مرارة وحرقة، استمعت إلى النشيد وأنا أقرأ كلماته التي كانت تظهر أمامي على شاشة الحاسوب، وبدأت دموعي تنساح وجعا على شعوب اتفقت على أن تغني وجعها وحسرتها على أنغام حلم قد كان، معلنة عن الوبال والضلال والبلاء والرياء المتفشي في ربى الأوطان، ناعية الوفاء الذي ذُبح على مقصلة الطغاة والبغاة، تنبعث الأصوات الموغلة في عمق الجرح العربي مرددة: "لا سواك خانعا مكمما، بقادتك مسمما، الوفاق لن يهل، نجمه لا لن يطل... من جديد، كل حزب قد بدا، وهمه يرضي العدى... وأن تبيد، لا يريد مصلى طه الأتلدا، وقبة ومسجدا... بل يريد، عيشة العبيد، وذلنا الأكيد، الدولار والدينار والريال والعقار... همّهم، وفقرنا وجوعنا وذبحنا وحرقنا... شعارهم ورمزهم، حالنا ووضعنا بائس لا يوصف... مقزز و مقرف، للهلاك قادة النفاق، ما لهم من ميثاق، موطني...". بصورة تلقائية وحركة لا شعورية وجدتني أنقر على ملف نشيد موطني الأصلي، لأخفف من وطأة الحزن الذي أطبق على قلبي المبتلى بشعارات القومية وعنفوان الحرية وأسطورة الكرامة العربية، فهدرت كلمات الشاعر إبراهيم طوقان تتغنى بالجلال والجمال والسناء والبهاء، والحياة والنجاة والهناء والرجاء، في ربى الوطن المفدّى، الذي كان من المفترض أن يحيا سالما منعما وغانما مكرما، بفضل شبابه الذين لن يكلوا؛ لأن همّهم استقلال الأوطان رافضين حياة الذل والخنوع والعبودية، متكئين على الأمجاد الغابرة المحفورة في لوح الذاكرة والحسام بيد واليراع باليد الأخرى، مترفعين عن الكلام والخطابات والمهاترات والنزاعات الداخلية في سبيل المجد والعهد والواجب، متطلعين إلى العزة والعلا والسؤدد والنصر والعيش بكرامة وشرف! شتان ما بين أحلام الأمس وتطلعات الماضي وبين واقعنا اليوم وأحداث الحاضر، أشعر بدوار يرهقني كلما حاولت استيضاح أسباب عدم قدرتنا كأمة عربية على النهوض والمقاومة، فلقد باءت كل من اليابان وألمانيا بهزائم نكراء ثم استعادتا قوتيهما وعادت الحياة تدب في أوصال الدولتين بقوة دافقة، حتى روسيا نراها تنهض بقوة وعنفوان عقب انهيار الشيوعية وتفكك اتحادها وتبعثر ولاياتها! وإيران تتعملق كل يوم، وتركيا تزاحم على موطئ قدم بين الدول الكبرى بل العظمى وكذلك الصين والهند... إلخ. وما زال البعض يخيفني ويقول لي لا تكتبي رسائل واضحة على صفحات الفايس بوك، ولا تتحدثي على الهاتف الأرضي أو النقال بما يمكن الاشتباه به، ولا تخفي أسرارا هامة على البريد الإلكتروني، ولا تتنفسي بحرية وصدق وانتماء، فأنت مراقبة ونحن مراقبون والموساد بالمرصاد والماسونية تتربص بنا ولا فكاك ولا خلاص! هل حقا محكوم علينا الذل والخنوع والخوف والخضوع؟ وقدرنا الاستسلام والاستعمار؟ شيء ما في داخلي يخبرني بصوت جهور واثق وقوي بأن "لا"، وبأننا قادرون على استعادة أمجادنا وإنارة فضائنا والانقضاض على أعدائنا وتبوّئ مكاننا العليّ الذي نصبو إليه بشغف ونتطلع إليه بحنين ونريده بقوة، بل وجديرون نحن به وسنحصل عليه بالحسام واليراع والوحدة والوطنية والقومية والصدق والإخلاص والوفاء والإيمان... تحضرني في هذه اللحظات كلمات أغنية "بكتب إسمك يا بلادي على الشمس اللي ما بتغيب... لا مالي ولا ولادي... على حبك ما في حبيب"، والخوف يغرس أظافره في قلبي المرتعب من أن تتحوّل هذه الأغنية أيضا إلى جرح غائر آخر!