الدكتور عديل الشرمان - المتتبع للدراسات العلمية المتعلقة بمفهوم الذات وعلاقته بالتحصيل العلمي لا يجد صعوبة في اكتشاف الآثار والدلالات الإحصائية والعلاقة الإيجابية بينهما، وهذا ما خلصت إليه معظم الدراسات العربية والأجنبية، فالتحصيل العلمي يكوّن لدى الفرد شعورا بالتفوق والنجاح، وينمّي ثقة الطالب بذاته، وهذا يقوده إلى الفخر بنفسه وبقدراته، ويكون سلوكه أحيانا انعكاسا لذلك، ويخلق لديه الدافع للمنافسة، والحافز لسباق غيره ممن حوله لتحقيق ذاته، وتحقيق الذات حاجة من الحاجات الأساسية للفرد، وتأتي في أعلى قمة الهرم للحاجات الإنسانية.
معظم الإحصاءات التي تناولت الجريمة أشارت إلى أن الجريمة تنتشر في الأوساط الاجتماعية ذات المستويات التعليمية والثقافية المتدنية، والأرقام في مراكز الإصلاح والتأهيل في كل دول العالم تبين أن أعداد غير المتعلمين تفوق بأضعاف أولئك المتعلمين والمثقفين الموجودين مراكز الإصلاح والتأهيل وغيرها من المؤسسات العقابية، وهذا يؤشر إلى العلاقة العكسية بين المستوى التعليمي والسلوك المنحرف.
إن السبيل الأهم إلى الارتقاء بالمستوى التعليمي والثقافي هو اجتياز مرحلة الثانوية العامة والانتقال إلى آفاق التعليم في الجامعات والمعاهد العلمية المختلفة، وأن لا تصبح شهادة الثانوية العامة السد والحائط الذي تنتهي عنده آمال الطالب بمزيد من العلم والمعرفة، بحيث يجد نفسه وكأنه يقف على الصراط، فأن نقذف بطلبتنا إلى الجامعات ومعاهد العلم حتى ولو سوقا رغما عنهم أفضل ألف مرة من أن نقذف بهم إلى الشوارع، وأن ندفع ببعضهم إلى الانحراف والجريمة والمخدرات.
طبقا لما تناقلته بعض المواقع الإخبارية الإلكترونية، في فرنسا هذا العام أعلن أن نسبة النجاح في الثانوية العامة تجاوزت 91 % مرتفعة عن العام 2019 والذي بلغت فيه 77.7%، مع إدراكنا للاختلاف في النهج والأسلوب التعليمي الذي تسير به العملية التعليمية حتى الوصول إلى المرحلة الثانوية، وكذلك الحال في كثير من دول العالم التي تتباهى بارتفاع نسب النجاح بعكس ما هو عندنا حيث ارتباط نسب النجاح المتدني بقوة الوزارة وتشددها وباتباعها لأنظمة تعليم مرتفعة المستوى والمعايير، هذا بدلا من الإشارة إلى ضعفها وفشلها في خلق بيئة تعليمية سليمة تقود إلى نسب نجاح مرتفعة.
الكثير من دول العالم وحتى المتقدم منها تشابه نسب النجاح في الثانوية العامة لما حدث عندنا هذا العام، والكثير منها أكثر ارتفاعا، وفي كثير من الدول التي تتدنى نسب النجاح فيها إلى حد كبير يعاني الطلبة فيها من الظلم والاضطهاد وعدم العدالة، ففي الوقت الذي يمكن لطالب الثانوية العامة في دولة أخرى عربية أو أجنبية تحقيق حلمه والوصول الى هدفه، يحرم طالب بنفس الامكانات وربما أكثر ذكاء في بلده من تحقيق ذلك بسبب التشدد غير المبرر في النظام التعليمي، وما يرافقه من تعقيدات وصعوبات.
ندرك تماما أن النظام التعليمي في الأردن بقي لسنوات طويلة ومازال يتفوق على كثير من الدول, ومع ذلك فإننا على يقين أنه بحاجة الى اصلاح شامل، وبحاجة إلى اعادة بناء، بدءا من المرحلة الابتدائية وحتى التخرج من الجامعة، ولا يمكن أن يكون التوجيهي شماعة نعلق عليها فشلنا وتقصيرنا، أو نجاحنا، ولنتفحص الكثير من الحالات محليا وعالميا لطلبة حصلوا على معدلات متدنية لكنهم تفوقوا في الدراسة في الجامعات، وأصبحوا علماء ومفكرين، ومنهم وزراء وساسة وكبار، وفي المقابل نجد طلبة حققوا نتائج مرتفعة في الثانوية العامة ولم يكن لهم شأنا مذكورا.
التحديات من حولنا كبيرة، والمنغصات الداخلية أكثر، فكيف يستكثر البعض على طلبتنا بقعة ضوء يفرحون وسطها في ظل ظلام دامس، ويكيلون التهم والنقد وبعضه بنّاء، وبعضه الآخر لاذع وجارح وفي غير محله إلى وزارة التربية والتعليم التي واصلت الليل بالنهار، ولم تألوا جهدا في أن تجتهد في ظل جائحة خلطت الأوراق، وحيّرت الحليم من العلماء والساسة والكبار وصنّاع القرار، فإلى وزارة التربية والتعليم، وإلى المعلمين وكافة الكوادر التعليمية، ومن يعملون في هذا السلك ترفع القبعات احتراما لجهودهم وعطائهم.