ذبابة تحوم،،،على جثمان أسد
يتوجب علي الذهاب دائما لهذا المكان الذي ولدت به ويعيش والدي الحبيب به لغاية الآن بشارع المطران مرورا بهذا المكان ومع كلمات الفنان الرائع محمد عبده من أغنية (الأماكن)ومن لم يسمع هذه الأغنية الجميلة التي تذكرنا بالأماكن الجميلة وطفولة لإنسان متعلقة روحه بالمكان لغاية الآن. مرورا بالمكان من الدوار الثالث ليوم الخميس تشعر بأن المكان مغلق تماما من شدة الزوار الذين قدموا من زمان غير زماننا ونحن من غير زمانهم وجلست أبحث عن المنازل القديمة لأصدقاء الطفولة بشرفات حديدية وإسمنتية،،، جلس عليها أعظم الرجال والنساء فلم أجد سوى جارتنا أم محمد التي لم يتبق من أسنانها سوى اثنين عرفتني من ملامحي الحنطية والتي أشابه بها أبي فسألتها عن قططها الحبالى التي كانت تملأ المكان فقالت لم يعد مسموح بجبل عمان مثل هذه الكائنات من شدة الازدحام وحتي الطيور والحساسين هاجرت لأماكن أكثر هدوءا من شدة الإزعاج ومنازل رائعة أصبحت مهجورة ونوافذها محطمة وأبوابها متهشمة كتب عليها عبارة (المنزل للبيع) وكأنك أخي القارئ تعيش باليونان وليس عمان فالمكان تملأه أناس ملامحها شقراء وبيضاء وأرجل مخروطة بعناية وثياب لا تشابه تلك الثياب وعندما سألتها من أين أنت،،، صعقتني وقالت لي أنا من عمان،،، وأعيش هذه الأيام بجبل عمان فغيرت ملامحي لتتماشي مع الحياة العصرية هنا في هذا الجبل لا يوجد متسع لرجل مثلي وكأنه قادم من العصور الجاهلية فالمكان ليس هو المكان والأشخاص ليس هم الأشخاص وما أصعب أن تعيش بغربة بمكان ولدت فيه وكان لك بقايا أصوات وخرابيش على الجدار الحجري الذي غيروا شكله وغيروا لونه وامتلأ المكان بفتيات وصبيان يجلسوا للصباح على صخب الدوريات الاسبانية والتي لا نعرف حتى لغتهم وقطعوا جميع أشجار الياسمين والفل والنرجس واستبدلوها بأراجيل مصرية وسورية على نكهة معسل بحريني بنكهة تفاح ونعناع بمصاصات بلاستيكية لصبايا لا يشابهوا صبايا الحي القديم فكانت أشكالهم غريبة قادمون من القارة العجوز وهاربون من الهبيز ومن أواسط القرون الوسطى بشعر طويل ومربوط بمطاطة وبكلة نسائية ويعشعش بشعره ألف قملة ولا يشعر بالحكة مطلقا،،، تراه من بعيد تعتقد بأنه أسدا إفريقيا من أواسط الصحاري المغربية وعند اقترابه منك تؤمن بأنه كالأغنام الهاربة من حظائر الأغنام الهاربة من أدغال الغابات الأمازونية وذقون نصفها شعر ونصفها الآخر فارغ كبعض عقولهم وأقسموا يمين بعدم استحمامهم لأن الموضة التي اسمها(ديرتي)تتطلب ذلك فعند قربه منك تستفرغ من شدة رائحته النتنة وملامحه بصدق غير واضحة وسياراتهم الثمينة تدل على عدم انشغالهم باليوم الثاني بأي عمل يذكر،،،فقط الذي يذكر بأن تصنيفة بهوية الأحوال المدنية(ذكر) ويا لها من مصيبة فهل يقنعون هذه الفئة بنات اليوم للزواج،،، القادم بسيارة فاخرة تفقد كل المعاني الرجولية والتشبه بالنساء الغاويات المنتظرات بقارعة الطريق منتظرة رفيق على عكازة خشبية.فأصبحنا نشاهد خيال الرجل ببلادنا وسوء الأفعال من البعض طبعا وليس المقصود هنا الكل فأصبحت الناس التي تقطن بالمكان منذ الأزل عاجزة عن النوم أو حتى اصطفاف سياراتهم من شدة الازعاج من المستعمرين الجدد،،، فالمناظر غريبة والوجوه والملابس والسيارات والثياب ليس لها شأن بالمكان.أصبحت الكلاب الصغيرة والمدللة حاضرة وعلى الأرصفة لها مكان،،،،، وبعض الصبايا التي امتهنت الإغراء على كبر وبعد أن دهسها قطار الأحزان هذا المكان متعرية تحسبها للوهلة الأولى بأنها أنثى لتعرف بعدها أنها قادمة من الشخصيات الهزلية هاربة من مسرحية شكسبير منذ أربعين عاما وأصبح منظرها كفيلم الساحرة أم رجل مسلوخة والطائرة على المكنسة العجيبة ويصر بانتظارها كل يوم بعض المتسكعين المبتدئين تخصص همالة وقلة أدب من كلية الايدز العالمية لإعطاء دروس السرسرة الخصوصية على يد خبيرة متمرسة قد أنهت عملها وتقاعدت من مدرسة الأخلاق الغير حميدة ورأفة بالقراء لأن قول الحقيقة يصعب علي كتابته فهو يخدش الحياء العام والذي يحب التأكد عليه وضع نظارة سوداء ويشاهد ماذا أصبح جبل عمان واحذر المصورين والمبتزين ليضعوا لك صورة عاطفية وتجد يدك موضوعة على خاصرة لم تشاهدها ولا بالأحلام ليسرقوا منك بعض الدنانير ويأتي (الرينج روفر) الليلي لاصطحابها إلى الزريبة. فالبيوت القديمة استبدلوها بمقاهي ومطاعم تقدم أطعمة غربية وشرقية وغالية الثمن لأناس هرب البعض وتخفى من زوجته ،،يرتادون المكان كل يوم وطاولاتهم محجوزة لهم كل ساعة وكل دقيقة واغتصبوا الأرصفة لدرجة عدم تمكن أيا من المشاة المرور فالأرصفة أصبحت تغلفها جنازير مغلقة حولها قطعة من القماش الأحمر تنذر المشاة والمارة بعدم المرور لغير المرتادين اليوميين لهذا المكان الذي كان أصلا دكان،،، وشجرة زيتون معمرة أزالوها واستبدلوا مكانها بماكينة للمشروبات الساخنة والجاهزة فالدول الأخرى تحافظ على مخزونها من الأشجار المعمرة والإرث الحضاري من المباني القديمة إلا نحن نستبدلها بالمباني الحديثة التي تغطرست على المكان بطريقة استعمارية ومخيفة وأصبحت حقيقة،،، لتزيلها جرّافة حقيرة لتزيل المنازل القديمة الرائعة التي أنتجت أروع أجيال ولأناس لن يتكرروا،،، لكل الضحكات والذكريات ولكل الأجيال التي فارقت المكان هربا من الازدحام المروري وصوت الضحكات القادمة من النوادي الليلية وروائح النرجيلة العجمية وصوت لجماهير المباريات للدوريات الاسبانية.فأصبحت،،،،وللأسف،،، لا أطيق المكان وأشتهي لو لم أراه بهذه الأحوال فالرقي جميل والتطور رائع ولكن ليس بحجم السيارات الثمينة وليس بالموديلات الفوق الركبة بشبر ونصف فأضعنا الهوية وأضعنا المكان ولم يعد ذكريات ولم يعد منازل ولم يعد أشجار ولا أمطار فشتاءنا مغبرا طوال العام وما زالوا يقنعوني بأني أعيش بعمّان. والطريف بهذا المكان بأن أصحاب الجنسيات الأخرى ملتزمون بثياب رصينة والمحليين ثيابهم أصبحت رخيصة وفوق الركبة ولو أزلت طبقة الماكياج لزالت وتفجرت كل الحضارة الورقية والتي هي كأحجار (الدوم ينو) العجيبة تركب وتبنى بطرق سهلة ورأيت الحقيقة لأناس كانوا محليين وأزالوا الحضارة القديمة بمزيل الطلاء بثمن بخس وهل هذا الانفتاح بأن يبقوا الصبايا يفترشون الأرصفة والرجال هناك تنام مثل الأنعام بساعة متأخرة بدون سؤال ولا جواب فمتى كانت النساء تعود منازلها عند صلاة الفجر بدقيقة بروائح الأراغيل والسم الهاري.وعلامة القُبلة ما زالت على القميص الأبيض واضحة معالمها فأضاعت من عمرها الكثير وسقط ما سقط من أخلاق ومن حشمة وبقيت ليومنا هذا تنتظر عريس الغفلة. فأين الرجال الرجال وأين النساء النساء فهل هذا كله من أجل حفنة ليرات . وهل هذه الطفرة أسبابها عملها وراتبها الذي تصرفه بثلاثة أيام على الكافيهات والمطاعم. التي استبدلت بالمنازل الرائعة والتي أنتجت روائع الناس للبشرية وللعالمية من سياسيين وعلماء ومثقفين وعلماء اقتصاد وغيرهم الكثير ممن سطروا ملاحم البطولات بمعركة الكرامة بسلك القوات المسلحة من جيش وأمن ودفاع مدني وغيرهم العديد من الشرفاء ورجال الدولة. ولا زالوا يتمايلون ويتغنجون لهذه اللحظة بكافيه على الأرصفة الممتدة على قارعة الطريق بجبل عمان المفروشة بالسجاد الأحمر وتبقى بقية الشهر تسهر كل ليلة مع رجل يدفع لها الفاتورة الليلية المدفوعة مسبقا لصبية كتب على رجليها (نعمل لأجلكم) ونبقى نقول بأننا نعيش بعمان. وشباب يركبون السيارات مخمورون ويتمايلون مرة شمالا ومرة يمينا بسيارات فقط سعرها أربعة وستين ألف دينار (مكشوفة) لإضفاء الغيرة فقط لأبن العشرين الحديث التخرج من شوارع السهرات الصباحية.ليوقدوا النار بأناس لا يوجد معهم ثمن قلم أو دفتر ويوقدون أيضا نيران الحقد الطبقي عند البعض وخصوصا بأننا هذه الأيام نعيش كل يوم على الصدقات القادمة وعلى الفتات من بلاد العم سام . العالم بالغرب يتباهون بثيابهم الفل ولوكرية والشعبية ويحتفلوا بها كل أسبوع على شواطئهم النظيفة والنقية ونحن نقلدهم ولكن بالعكس فكل يوم نفقد بعض قيمنا وخلقنا وثيابنا المميزة التي أصبحت تباع للأعياد الوطنية للقارة الأمريكية ونحن ما زلنا نحتفظ بها بخزائن خشبية والبعض ما زال يضعها على جدار النسيان من أيام العزوبية. لست متخلفا ولكني لم أعد أطيق المكان وكرهت كل الذكريات فهم القادمون من الأزمان المتقدمة برأيهم ونحن ما زلنا نعيش بكهوف الجاهلية. حسبي الله ونعم الوكيل والله يستر من القادم ومن المخفي فربما يكون أعظم. والله ولي التوفيق.
هاشم برجاق 56-9-2010 الموقع الخاص بالكاتب هاشم برجاق www.hashem.jordanforum.net