زاد الاردن الاخباري -
لتصفية الحسابات الشخصية واللجوء للتشهير والإساءة، يُقدم العديد من الأفراد عبر منصات التواصل الاجتماعي لتضخيم الخلافات، اعتقادا منهم بأنهم وبهذه الطريقة يأخذون حقهم ويكسبون تأييد من حولهم.
في الآونة الأخيرة، ومع ازدياد انتشار التكنولوجيا، بات من الملاحظ أن هذه المنصات بدأت تفقد دورها الحقيقي في تقوية العلاقات واستمرارية التواصل، واتخذ البعض هذه المواقع كسلاح يحميهم من المواجهة المباشرة، ما يتسبب حتما في تكبير الخلافات وتعقيدها، والأبشع من ذلك تبريرهم لطريقتهم هذه بأن الغاية تبرر الوسيلة.
الأربعيني مجدي صلاح تستفزه جدا فكرة التشهير والإساءة للآخر، وخاصة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، من خلال قصص كثيرة وخلافات شخصية بدأت مؤخرا تنتقل للعلن من دون أي مراعاة لعشرة أو سمعة أو أي اعتبارات أخرى.
ويضيف متسائلا: “هل باتت هذه المواقع منبرا للفضائح والنيل من كرامة الآخرين والتطاول عليهم؟ ألهذه الدرجة أصبحنا لا نكترث بمشاعر بعضنا بعضا، وباتت خصوصياتنا مشاعا يمكن لأي أحد اختراقها؟”.
ويجد أن الخلافات لا تحل أبدا بالتشهير العلني وإنما هناك طرق أخرى أفضل وأكثر احتراما من الممكن اللجوء إليها تفاديا للإحراج والمساس بسمعة أشخاص تربطنا بهم علاقة صداقة أو قرابة، ولهذا السبب فمهم جدا أن يكون هناك خصوصية حتى لا تتحول تلك المشكلات التي قد تكون في أغلبها صغيرة إلى بؤرة لتأجيج الأحقاد.
أم عمر هي أيضا يقلقها كثيرا ما آلت إليه العلاقات الشخصية، وتشعر بالخوف الشديد على أبنائها، وذلك بعد أن بدأت تتابع مواقع التواصل الاجتماعي بشكل مستمر؛ إذ صدمتها تصرفات البعض، ومشاركة مشاكلهم مع أصدقائهم، وأكثر ما لفتها هو تشهير الأزواج ببعضهم بعضا واستخدامهم هذه المواقع كوسيلة للإساءة والانتقام.
وتستغرب أم عمر من لجوء الجيل الجديد لهذه الطريقة في تصفية حساباتهم مع الآخر ممن يختلفون معه. وتبين أنها تحاول جاهدة توعية أبنائها تحديدا في هذه النقطة وإقناعهم بأن المواجهة هي الحل الأنسب لحل الخلافات وضرورة الاحتفاظ بخصوصيتهم بعيدا عن أعين الناس، لافتة إلى أنها تستنكر على كل من يشهر بغيره من أجل مصالح شخصية ولإيذائه في سمعته والنيل منه، معتبرة ذلك استهانة بالقيم الأخلاقية وتجنيا على جيل بأكمله.
الخجل هو أحد الأسباب التي تقف خلف استعانة الطالب الجامعي حسام بمنصات التواصل الاجتماعي، واتخاذه لها كمتنفس يبث فيه كل ما يحدث معه خلال اليوم. هو لا يتردد أبدا في طرح خلافاته على الملأ رغم أنه ينتقد هذه الطريقة ويجدها غير صحيحة، إلا أنه يستخدمها كردة فعل غير مباشرة على تصرفات من حوله معه.
خوفه الدائم من المواجهة المباشرة يدفعه إلى تنحية الاحترام جانبا، والتعرض لمن أساء له بفضحه والتشهير به علنا. حسام بلجوئه لتلك الطريقة يشعر بأنه انتقم لكرامته وأخذ حقه، كما أنها تكسبه تأييد بعض الأصدقاء، وهذا تماما ما يريده ويسعى إليه.
ويقول الاختصاصي الاجتماعي محمد جريبيع “إن العلاقات الشخصية مقدسة لها أسسها واحترامها وأخلاقياتها وهناك منظومة من القيم تحكمها، وتؤكد سريتها وحمايتها من التشهير، لكن إذا انتقلت هذه الخلافات الشخصية إلى مواقع التواصل الاجتماعي فحتما ستفقد خصوصيتها واحترامها”.
ويضيف “جميعنا نرتبط بعلاقات شخصية مع من حولنا ونسعى دائما لنحافظ عليها لأنها في النهاية هي جزء من ثقافتنا ومن سلوكياتنا ومن حياتنا ومن تفاعلنا الاجتماعي المستمر”.
ويبين أن من الطبيعي أن تحدث الخلافات بين الأصدقاء أو الأقارب أو حتى الأزواج، لكن مهم جدا أن تبقى ضمن إطارها الشخصي، وأن لا تنتقل إلى العلن وتتحول إلى قضية تشهير عبر منصات التواصل الاجتماعي.
وبحسب إحصائيات وتقديرات عالمية، يبلغ عدد مستخدمي “فيسبوك” في الأردن 5.7 مليون، وما يقارب 675 ألفا على “تويتر”، أما “انستغرام” فهناك ما يقارب من مليون مستخدم، وهناك مليون آخرون على موقع “سناب شات”.
ويذهب الاختصاصي النفسي الدكتور موسى مطارنة إلى أن العلاقات الشخصية تمتاز بخصوصيتها، ولهذا فبمجرد خروجها عن هذا الإطار يصبح بالطبع هناك خلل تربوي واجتماعي وأخلاقي، وذلك لأن الخوض في الخصوصيات والتشهير بها عبر منصات التواصل الاجتماعي فيه حتما إساءة وغالبا ما تكون في الدرجة الأولى مؤذية للشخص المشهر لكونه لجأ لهذه الطريقة القاسية والسلبية التي تنم بالتأكيد عن انعدام الثقة لديه وتدني مستوى الاستقرار النفسي.
ويبين أن كل من يقوم بمثل هذه التصرفات هو في حقيقته شخص ضعيف مهزوز لديه إحساس بالنقص ويخشى المواجهة المباشرة، لافتا إلى أن هذه التصرفات لا تنتمي مطلقا للشجاعة والقوة والقدرة.
ويتابع “وصول الأشخاص لهذه المرحلة في علاقاتهم وتجاهلهم لقدسيتها أمر في غاية الخطورة يؤدي غالبا إلى افتقاد الاحترام والثقة، إضافة إلى أن التشهير جريمة يعاقب عليها القانون والأخلاق والمجتمع بأكمله لكونه يتسبب في إفشاء أسرار خاصة جدا لا يجب التطرق لها، والحديث عنها عبر هذه المواقع”.
ويؤكد أن الوعي الثقافي والاجتماعي يحتم على الجميع إدراك أهمية هذه المنصات ودورها الكبير والبارز في تقوية العلاقات الشخصية واستخدامها في التعبير عن الذات وعن الأفكار والآراء الشخصية البعيدة كل البعد عن الإساءة للآخرين والتطاول على كرامات الآخرين وإيذائهم نفسيا واجتماعيا.
ربى الرياحي - الغد