قرش بالحلال ولا دينار بالحرام وين أولاد الحلال نحن كمسلمين شرقيين نؤمن أن المال الحلال والأكل الحلال هو الشيء الدائم للإنسان في حياته كما هو العمل الحلال والصالح هو الذي تدوم سيرته بعد موت الإنسان وكذلك في كتب اديان التوحيد والنبي عليه الصلاة والسلام يقول : (( إن الحلال بين ، والحرام بين ، وبينهما شبهات ، من توقاهن كن وقاءً لدينه ، ومن توقع فيهن يوشك أو يواقع الكبائر ، كالمرتع حول الحمى يوشك أن يواقعه ، لكل ملك حمى )) وسيدنا معاذ بن جبل رضي الله عنه : قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( يا أيها الناس اتخذوا تقوى الله تجارة يأتكم الرزق بلا بضاعة ولا تجارة . ثم قرأ : { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ } )) هناك احتيالٌ ، وهناك نصْبٌ ، وهناك مراوغةٌ ، وهناك غِشّ ، وهناك إيهامٌ ، وردَ في الجامع الصغير أنّ النبي عليه الصلاة والسلام يقول : ((من أصاب مالا من نهاوش أذهبه الله في نهابر)) أي ما يؤخذ بألإحتيال والحرام يذهب نهبا . ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾صدق الله العظيم هذا من رأي الشرع حتى ان الحرام والحلال يطبق على زوجات الرسول(ص) أما ما ينطبق على حياتنا المدنية فتحكمها القوانين والدساتير المدنية الوضعية التي وضعها حكماء المجتمعات متوخين فيها إعطاء آليات وأدوات للحكام ليستطيعوا نشر العدل بين الناس والمساواة بينهم في التعامل . ولكن من جانب آخر فإن التكنولوجيا الحديثة سهّلت سبل العيش الرغيد وأوجدت ثغرات ليسلكها الشيطان عبر النفوس المريضة لتجعل آياديهم تمتد إلى حقوق الغير والمال العام وتتشكل فئة في المجتمع نبراسها الفساد وهدفها الكسب غير المشروع حتى لو كان ذلك على حساب الوطن والمجتمع ومع مرور الوقت إتسعت تلك الدائرة لتضمّ اليها العديد من الناس من مختلف أطياف المجتمع في كل القطاعات الحكومية والخاصّة والشركات المساهمة الخاصّة والعامة وأصبحت تشكًل أكثرية وعملت على خلق فئة ثريّة في نفس الوقت الذي إضمحلّت فيه الطبقة الوسطى من المجتمع وإزدادت اعداد الطبقة الفقيرة واصبحت أقرب منها للمعدمة . وفي أغلب الدول تنتخب هيئات تأسيسية لوضع دساتير البلد أو تعديلها إنسجاما مع خصوصية تلك الدولة وإسترشادا بدساتير وتجارب دول أخرى مشابهة ويجب ان تكون شخوص تلك الهيئة من ذوات المعرفة والخبرة ويمثلون اطياف المجتمع وقطاعاته واعراقه واديانه وفئاته بحيث يكون الدستور ممثلا حقيقيا لحاجات المجتمع لفترة طويلة ويجب ان يستغرق إعداده الوقت الكافي ويتم التشاور عليه مع كل شرائح المجتمع . واعضاء تلك الهيئه قبل حلَها واعضاء مجلس الأمة مستقبلا هم المشرعون للبلد ويجب ان يكون هؤلاء الناس أولاد حلال يتفهمون ابناء بلدهم وحاجاتهم ويشرَعون ما يلبي حاجاتهم لفترة طويلة في وقت السلم ووقت الحرب . ويجب أن تحتوي تلك الشرائع على مواد تتصدّى للفاسدين والمفسدين مهما علت مسؤولياتهم . ﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ﴾صدق الله العظيم أنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - بعث أبا عبيدة بن الجرَّاح إلى البحرين يأتي بجزْيتها، فقدم أبو عبيدة بمالٍ من البحرين، فسمِعَت الأنصار بقدوم أبي عبيدة، فوافت صلاة الصُّبح مع النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فلمَّا صلَّى بهم الفجر انصرف فتعرَّضوا له فتبسَّم رسولُ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - حين رآهم، وقال: ((أظنُّكم قد سمعتم أنَّ أبا عُبيدة قد جاء بشيءٍ؟)) قالوا: أجل يا رسول الله، قال: ((فأبْشِروا وأمِّلوا ما يسرُّكم، فوالله لا الفقرَ أخشى عليْكم، ولكن أخْشى عليْكم أن تبسط عليْكم الدُّنيا كما بُسِطَت على مَن كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتُهْلِككم كما أهلكتهم)) اللهم الهمنا القناعة بأن القرش الذي يأتي بالحلال خير من الدينار الذي يأتي حراما .
المهندس احمد محمود سعيد دبي – 6/4/2011