زاد الاردن الاخباري -
سألت ذات مرة، ولم أحظ بالجواب، عن السبب الذي يجعل عمان تواصل التعامل مع ملف المسجد الأقصى، من زاوية دينية بحتة، دون أي زاوية سياسية بما تعنيه هذه الزاوية.
كلما تعرض المسجد الأقصى إلى مهددات يخرج وزراء الأوقاف الواحد تلو الآخر، للتعبير عن غضبهم، وغضب الأردن مما يجري، لكن علينا أن نلاحظ هنا، أن إدارة الملف بهذه الطريقة تؤدي إلى حصر دلالات المسجد الأقصى في كونه مسجدا، له أهميته الخاصة، لكنه مسجد من بين آلاف المساجد التي يرعاها الأردن هنا، أو في القدس، وهذا التكثيف الديني على صحته، لا يلغي الجانب السياسي في كل الملف، ولا الإدارة الإسرائيلية السياسية للقصة.
بالنسبة للإسرائيليين المسجد الأقصى ليس مجرد مسجد، إذ إن الاعتداءات على موظفي الأوقاف والاقتحامات وسجن الموظفين ومنع اعمال الترميم، ومشاريع الهدم الكلي أو الجزئي، أو التقاسم الزمني أو الجغرافي، وإدخال المستوطنين إلى ساحات المسجد، يأتي في سياق ديني-سياسي، وليس في سياق ديني فقط يريد إقامة الهيكل، وهذا يعني أن الإدارة الإسرائيلية تقوم على مبدأ فرض السيادة الإسرائيلية السياسية على الحرم القدسي، ضمن سيادة الاحتلال على كل القدس، وتهويد المدينة، باعتبارها عاصمة إسرائيل.
هذا سياق سياسي، لا يمكن الرد عليه عبر مسؤول ديني في الأردن فقط، أو إدارة القصة فقط على أساس ان هذا مسجد له مكانته، ويرعاه الأردن، ويدير كل شيء فيه فقط، لأننا نعرف ان الإدارة الإسرائيلية السياسية تريد السيطرة على الحرم القدسي، في سياق تهويد الحرم لغايات سياسية تتعلق برمزية المكان السياسية، في المشروع الإسرائيلي.
ليس كافيا الرد بهذه الطريقة، والكل يعرف ان حمايات الحرم القدسي اليوم، قائمة على طرفين اساسيين فقط، هما المقدسيون والفلسطينيون في القدس، والطرف الثاني هو الأردن بقدرته على الاعتراض والتأثير ولولا الطرفان معا، لتعرض المسجد الأقصى إلى كوارث كبرى.
علينا ان نقر هنا ان المسجد الأقصى يخضع في الحسابات الإسرائيلية لتوظيفات من باب مضايقة الأردن، ومحاولة ارسال رسائل له، أو تحجيم مساحته، وهذا توجه لا يخفى على احد، وهو على الاغلب سوف يشتد خلال السنين المقبلة، دون أي مراعاة لما يظنه بعضهم مكانة الأردن في القدس، أو التأثيرات الإقليمية والدولية، لحدوث ازمة داخل القدس.
هذا ملف يجب رفع سقف التدخل فيه، وعدم حصره بمسؤولي الأوقاف، أو اللجوء إلى تعبيرات منخفضة عبر وزارة الخارجية، إذ إن رفع السقف هنا، مهم جدا، خصوصا، مع تزايد المؤشرات على التصرفات الإسرائيلية الخطيرة ضد الحرم القدسي والمسجد الأقصى، والذي يقرأ الخط البياني لن يستغرب في مرحلة ما، انهاء رعاية الأردن على المقدسات، ومنع موظفي الأوقاف الأردنية في القدس من الدخول للحرم، فلا احد سيمنع إسرائيل لحظتها.
بالنسبة لنا المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، وله مكانة دينية، ودلالة سياسية تتعلق بكون القدس عاصمة للفلسطينيين، والافتراض هنا ان سلطة رام الله عليها دور سياسي في ملف الأقصى، كونه رمز العاصمة المفترضة والدولة التي لم تقم، وهذا الدور مناط بسلطة رام الله، وليس بالأردن، افتراض لا يقوم على أساس، لأننا ندرك كلنا ان سلطة رام الله واهنة وهشة ويحتاج كبار المسؤولين فيها إلى تصريح إسرائيلي للخروج من رام الله إلى البيرة البعيدة كيلومترات عن رام الله، فيما لا احد يصدق أساسا ان لدى السلطة أولوية للدفاع عن الأقصى، ولا القدرة أيضا، هذا في حال توفر النية والعزم اصلا.
ملف الأقصى ديني، لكنه أيضا سياسي، والمفترض ان التصرفات الإسرائيلية توجه تهديدا مباشرا لدور الأردن السياسي، في هذه القصة، التي يراد تحويلها إلى قصة أباريق وضوء بلاستيكية، أو وجبات إفطار في رمضان، فيما القصة أعقد من ذلك بكثير.
نحن نتعامل مع الأقصى من زاوية دينية فقط فيما الاحتلال يتعامل مع ذات الملف من زاوية دينية-سياسية، وهذا يعني ان ردّنا يجب ان يكون مختلفا.