زاد الاردن الاخباري -
أظهرت دراسة حديثة، أن الأزمة الحالية بين النظام في الأردن، وجماعة الإخوان المسلمين تختلف عن سابقاتها، وأن اللعبة التقليدية التي شهدت مدّاً وجزراً في العلاقة بين الطرفين خلال السبعين عاما الماضية انتهت.
الدراسة أعدها الباحث المختص في شؤون الجماعات الإسلامية محمد أبو رمان، بالتعاون مع مؤسسة فريدريش إيبرت، وحملت عنوان (الصراع على قواعد اللعبة الجديدة، الدولة وجماعة الإخوان في الأردن).
وحسب أبو رمان الذي شغل سابقا منصب وزير الثقافة ووزير الشباب، فإنه "لم يتشكل الوضع الراهن بصورة مفاجئة، فهنالك مسار متدحرج من الأزمة بين الطرفين بدأ منذ الثمانينات، لكنّه أخذ خطّا تصاعديا في التسعينيات من القرن الماضي، بعدما كشفت الانتخابات النيابية عن تحول الإخوان إلى أكبر تنظيم معارض في البلاد، لتأخذ محلّ القوى اليسارية القومية.
ورأت الدراسة أن النظام قرر حينها التحالف مع تلك القوة لمواجهة الإخوان، مما أتاح للجماعة خلال أربعة عقود 1950 - 1990 مساحات شاسعة من العمل في الميادين الاجتماعية والخيرية والثقافية والسياسية، وأصبحت لديها شبكة من المؤسسات الخيرية (تحت مظلة جمعية المركز الإسلامي التي تأسست في العام 1963)، وجامعات وممتلكات وأنشطة، مكّنتها من التجذّر في المجتمع والتأثير على شريحة اجتماعية عريضة.
ماذا يريد النظام من الجماعة؟
طرحت الدراسة هذا التساؤل، الذي أجاب عليه وزير الشؤون السياسية والبرلمانية، موسى المعايطة، بالقول إنّه لا توجد هنالك نوايا لدى الدولة، إلى هذه اللحظة، للسير على خطّ تجريم الجماعة ووسمها بالإرهاب، فهنالك محددات سياسية اجتماعية أردنية تحول دون ذلك.
واستدرك المعايطة: "في الوقت نفسه هنالك ضرورة في إعادة صياغة قواعد العلاقة مع الجماعة والحزب، والخيار الذي تسمح به الدولة، يتمثّل بإلغاء الازدواجية الحالية بين عمل الجماعة والحزب، والاكتفاء بالحزب كإطار قانوني سياسي يمارس العمل السياسي والحزبي، فيما لم تعد هنالك حاجة لجماعة الإخوان.
الرأي نفسه يذهب إليه مسؤول كبير آخر، إذ يؤكّد في لقاء خاص أنّ المطلوب ليس الإلغاء الكامل للجماعة، لكن إعادة تعريف لوضعها القانوني والسياسي، ولا يخفي أحد المسؤولين أنّ العامل الخارجي مؤثّر على صانع القرار الأردني من خلال التجاوب مع أجندة حلفاء الأردن التقليديين (مصر، الإمارات والسعودية) تجاه الإسلام السياسي عموما، بخاصة جماعة الإخوان المسلمين، والعمل على منعها من النشاط.
وتقول الدراسة إنه عند الوصول إلى إنهاء الجماعة قانونيا وحظرها بالكلية، وتحويلها إلى حزب سياسي (جبهة العمل الإسلامي) أو أي حزب آخر، سيتخلص الأردن من صداع خارجي ويستعيد التناغم مع حلفائه العرب.
إنهاء جماعة الإخوان المسلمين
تقول الدراسة إنه في السابق كانت العلاقة بين الطرفين تأخذ طابع التحالف والتعايش الودي، والمساحات المتاحة للجماعة للنمو في المجتمع وبناء شبكة من المؤسسات والقوى الاقتصادية والخدماتية والتطوعية.
وتابعت: "تلك السياسات التي كانت قائمة في الستينيات والسبعينيات، بدأت تتلاشى منذ التسعينيات، عبر قانون الانتخاب (1992) الصوت الواحد، الذي أجريت عليه الانتخابات النيابية 1993 وفي الجامعات واتحادات الطلاب، وهكذا بدأت الدولة تنقلب على الحليف السابق، وانتقلت الجماعة إلى قيادة أحزاب المعارضة في منتصف التسعينيات، بعد أن أصبحت الرقم الصعب والحزب الأقوى في المعارضة".
وتضيف الدراسة: "يقف وراء سياسات الدولة تجاه الجماعة قناعة ترسخت مع مرور الوقت في أروقة القرار، بل أصبحت بمثابة عقيدة رسمية بأن العلاقة السابقة من التحالف بينهما انتهت إلى غير رجعة، وأنهما وصلا إلى مرحلة الطلاق النهائي".
تقول الدراسة: "صحيح أنّ العلاقة بين الطرفين، شهدت بعد ذلك مراحل من الشد والجذب، والصعود والهبوط، ما يشبه علاقة توم وجيري، كما يصفها الباحث الأمريكي، ناثان براون، إلاّ أنّه كان هنالك خط واضح ليس متغيراً تسير عليه استراتيجية الدولة، خلال العقود الثلاثة الماضية، أيا كانت المتغيرات الإقليمية والدولية، حتى الشروط الداخلية، وتمثل السياسات التالية:
أولاً:
تخفيض حجم تمثيل الجماعة في العملية السياسية عموما، فهنالك حرص دائم من النظام على ألاّ يصل ممثلوها في مجلس النواب إلى نسبة تؤثر على قرارات مجلس النواب.
ثانياً:
التخلص من مؤسسات الجماعة وشبكاتها وقدراتها في المجال العام، خاصة الجانب المالي والاقتصادي، لذلك أخذت الدولة منها جمعية المركز الإسلامي في العام 2006، التي كانت - وفق لقراءات غير رسمية في مراكز القرار - تعطي الجماعة تأثيراً مهما في المجتمع، من خلال نافذة العمل التطوعي والخيري والمجتمعي.
ثالثاً:
سحب الامتيازات التي كانت الجماعة قد حصلت عليها - خلال العقود السابقة - بالعمل في المساجد والجمعيات الخيرية والعمل التطوعي، ما منحها - في قراءة خصوم الجماعة - نقاطا إضافية في مواجهة الخصوم.
رابعاً:
دعمت الدولة، بصورة غير مباشرة، عمليات الانشقاق التي حدثت عن الجماعة، بداية انشقاق مجموعة قيادية وتأسيس حزب الوسط الإسلامي في العام 2002، ثم انشقاق مجموعة زمزم وتأسيس حزب زمزم، وأخيراً تأسيس الجمعية الجديدة للجماعة وإعطائها الشرعية القانونية بدلاً من الجماعة. وكان واضحا أن هنالك دعما رسميا لأي صيغة جديدة للتمثيل الإسلامي المناهض لجماعة الإخوان في العملية الانتخابية، منذ انتخابات العام 2007.
خامساً:
يرتبط بالنقطة السابقة أنّ مؤسسات الدولة دعمت أيضا إضعاف الجماعة في الأوساط "الشرق أردنية"، والعشائرية، فإذا كان من الصعب إضعاف الجماعة بسهولة في الأوساط الأردنية - الفلسطينية، فإنّ السياسات الرسمية وجدت الطريق أكثر سهولة في الأوساط الأردنية، كي تمنع الجماعة من إحداث "اختراق شعبي"، فيها.
وأصبح واضحا أن الثقل التنظيمي والانتخابي للجماعة يتمثل بدرجة مركزة في المدن الكبرى، ذات الكثافة الأردنية - الفلسطينية، مثل عمان والزرقاء، وبدرجة أقل إربد، التي تأثرت هي الأخرى بعمليات الانشقاق المتتالية.
سادساً:
إلغاء الوضع القانوني للجماعة، وكان ذلك هو الخطوة الأخيرة في تلك السياسات الرسمية، إذ تسعى الدولة من خلال ذلك إلى التخلص من الجزء الغاطس تحت الماء من التنظيم، ذلك أنّ نقل الثقل إلى جبهة العمل الإسلامي يسمح بتهريب النصاب لأعداد كبيرة من المنظمين الذين يفضلون العمل في الظل، وفي أروقة الجماعة، بدلاً من الحزب.
الآفاق المستقبلية.. إعادة ترسيم قواعد اللعبة
تبين الدراسة أن قيادات في الجماعة تتحدث عن استعدادهم للفصل أو التمييز بين الدعوي والسياسي، وأن يتم الاقتداء بالتجربة المغربية بأن تكون هناك جمعيات معنية بالوعظ و الخطاب الديني والإصلاح الاجتماعي وأن يترك العمل السياسي بالكلية للحزب، وهو أمر جديد - بالضرورة - على خطاب الجماعة وأفكارها، لكنهم يرون ضرورة الحوار مع النظام، من أجل التوافق على الصيغة الجديدة، بما في ذلك السماح لهم بتأسيس جمعيات تتبنى الخطاب الديني والوعظي، حتى وإن لم تحتفظ باسم جماعة الإخوان المسلمين.
وحسب أبو رمان "ما يزال هناك انقسام في الجماعة بين من يرى أنّ الاحتفاظ بالاسم ضروري، لما له من إرث تاريخي ورمزي وعاطفي، ومن يرى بأنّ الاسم ليس مقدّسا، والهدف هو المدرسة الفكرية والثقافية للجماعة التي يمكن أن تكون مرجعية للحزب ولأفرادها من دون التمسّك الحرفي باسمها وشعاراتها التاريخية.
للاطلاع على الدراسة (هنا)