إنسان ؛ سرق اللصوص عقله وأحلامه !! فجننوه
بقلم: دانا جهاد ـ جمهورية الصين الشعبية
إنه كم هو من المؤسف أن نسمع عن وجود أناس بيننا يكونون هم السبب الرئيسي في قطع أرزاق غيرهم من الناس !! وذلك بسبب كونهم يحتلون مناصب عليا رفيعة هم لايستحقونها أساسا ، كانوا قد استولوا عليها بطريقة أو بأخرى بغير وجه حق ، فحرموا منها أناسا آخرين هم أحق منهم بها وأجدر .!!!
إن من يرى ذلك بعينه ، سيدرك فعلا أنه قد وصلنا للأسف الى الزمن العجيب الذي انتحرت فيه العدالة ، وأننا قد بلغنا الزمن الذي ماتت فيه الكفاءة ، وأننا قد رأينا الزمن الذي سادت فيه الواسطة والمحسوبية ، والذي تحطمت فيه كل آمال وأحلام البسطاء المسروقة حقوقهم ( غصبا عنهم) !! وخاصة بعد اختلط الحابل بالنابل ، وبعد أن استوي الذين يعلمون والذين لايعلمون ، و استوى الذين يعملون والذين لايعملون ، و استوي الذين بفقهون والذين لايفقهون ، وبعد أن أصبح الجاهل هو من يأمر المتعلم ، و أصبح الأعمى هو من يقود المبصر وهو من يتحكم في البصير . !!
حقيقة ياإخوان وياأخوات ، كم إني أشعر بالحزن ، وكم يعتريني الأسى والأسف ؛ حينما أرى إنسانا كان يوما ما مجتهداً حصيفاً ، متوقد الذهن حاد الذكاء سريع البديهة ؛ يمر من أمام ناظري وهو في منظر بائس حزين يدعو الى الشفقة ؛ يمشي مطأطىء الرأس ذليلا منكسرا مكسور الجناح ، محطم الفؤاد ، داخلا في نفق مظلم ، يعاني العوز والفقر والفاقه والحاجة، ولا يجد أمامه فرصة من فرص العيش الكريم كباقي البشر!!
وكم هو مؤلم أن نعرف أن ماحدث له لم يكن بسبب تقصير منه ،وإن ماتعرض له لم يكن بسبب تكاسل منه ،وإنما جريمته الكبرى التي ارتكبها بحق نفسه هي : أنه انسان ينحدرمن سلالة عائلة فقيرة بسيطة لاتجد قوت يومها ، ولأن ذنبه الوحيد الذي اقترفه في دنياه أنه لم يحسن التخطيط مسبقا لمكان ولادته ولا لتاريخها ، ولهذا فقد ولد في زمان غير زمانه ، وجاء الى الدنيا في مكان غير مكانه ، كما أنه كان قد ارتكب امرا فظيعا وذنبا لايغتفر أبدا وهو :أنه كان قبل ان يولد لم يحسن اختياركل من أمه وأبيه قبل أن يتزوجا وينجبانه ، وكما أنه لم يحسن اختيار جده ولا جدته أيضا ، فوجد نفسه مرغما قد حكم القضاء عليه أن ينتمي لأسرة من أناس بسطاء لم يكن له القرارالشخصي في اختيارهم بنفسه ،كما أنه كان قد وقع في خطأ جسيم فاضح لايمكن مسامحته عليه وهو : نسيانه قبل أن ينزل من بطن والدته أن يضع في فمه ملعقة من ذهب !!
وكم أصاب بالفزع حينما أرى انسانا كان يوما ما شعلة مضيئة من الذكاء ، وكان نارا متوقدة في الإبداع الخلاق ، وكان علما مرفرفا في طرح الأفكار البناءة ، لكنه وجد نفسه مجبرا مضطرا لظروف قاهرة على أن يقف على ناصية شارع ليبيع بطاقات اليانصيب ، أولكي يمر بين السيارات مزاحما اياها السير ليتمكن من بيع محارم ورقية أو(علكة) أو (بلالين) أو...أو..، باحثا عن رزقه وقوت عياله من خلالها .!!
وكم أصاب بالجزع وأشعر بالدوار حينما أرى شخصا كان عقله يوما ما ، يزن بلدا بكاملها من شدة علمه ونبوغه وحكمته وذكائه، ثم أجده يمشي في الشارع ممزق الثياب ، رث الهندام ، منكوش الشعر ، كئيب المنظر ، حافي القدمين ، نحيف الساقين ؛ يهذي كالمجنون باحثا عن الذين سرقوا منه عقله في غفلة من الزمن ، وباحثا عن الذين سرقوا منه حقه في العيش الطبيعي كإنسان؛ فضيعوا له أحلامه وحطمواله مستقبله ، فاضطر آسفا متأسفا البحث عن لقمة يسد فيها جوعه في سلات المهملات وأحيانا في حاويات الفضلات المتواجدة بين مكبات النفايات ، متناولا طعامه وشرابه من مخلفات مايلقيه ساكنو البنايات وأصحاب المحلات من قاذورات .
وعلى النقيض نفسه مما سبق ، فإني كم أتألم وأشعر بالإختناق والمرارة والرغبة في التقيؤ حينما أرى إنسانا آخر من المحظيين والمقربين والمحسوبين ، والمعروف عنه أنه كان من أكثر الناس غباء وحماقة وسفاهة وانسدادا في تلافيف المخ ، ومعروف عنه أنه كان من أكثر الناس تناحة و وسذاجة وصفاقة وتسكيرا في قنوات الدماغ ، ومعروف عنه أنه كان بالكاد يستطيع أن يفك الحرف أوبالكاد كان يقدر أن يمسك القلم !! لكن ... وبقدرة قادر نراه فجاة وقد أصبح من أصحاب الأموال والأرصدة والحسابات البنكية ، فأصبح يتفنن في شراءالشهادات العالية ويتفنن في شراء الذمم والضمائر ، ويتفنن في حمل الألقاب والمسميات ، واضعا لنفسه لقبا منها يزيد عنه طولا قبل ذكره لإسمه مجبرا إيانا نحن بمخاطبته به مع أنه لايستحقه !!! ، ثم نراه بين ليلة وضحاها وقد أمسى مشهورا وأصبح له شأن وقيمة ، وأصبح صاحب مركز عال في المجتمع المخملي ومن المتحدثين بلغة الكابتشينو ،وأصبح صاحب كلمة مسموعة وصاحب سلطة وسطوة ، وبدأ يحل ويربط ، ويأمر وينهى ، ويشطر ويمطر كما يشاء، قائلا في نفسه : (ياأرض انهدي ماحدا عليك قدي ) بعد أن كان قبل فترة قريبة يقبع منبوذا في أسفل قاع المجتمع !!.
وكم يعتريني العجب وأسمع العجاب ؛ حينما أستمع لبعض أصحاب التصريحات الصحفية وأصحاب المقابلات الإعلامية المدفوعة الأجر مسبقا ؛ سواء كانت التلفزيونية أوالإذاعية ،وهم يتلعثمون في الكلام ، ويقومون بكسر قواعد اللغة ؛ فينصبون الفاعل ويرفعون المفعول و يجرون المبتدأ ويبهدلون الخبر ، ولا يكتفون بذلك فقط !! بل تجدهم يتشدقون ويتبجحون ويلعـلعـون بوقاحة وصلافة ، ويفتون ويحللون بما لايعرفون ، ويتكلمون بما لايفقهون ،ويتحدثون من غير فكر وبلا وعي وبدون منطق ولا حجة ولا حتى بلغة حوار مفهومة !! ومع هذا فقد أصبحوا بقدرة قادر وبجرة قلم ؛ من الشخصيات البارزة ، وأصبحوا فجأة من غير سابق ميعاد من أصحاب القرار، وأصبحوا لسخرية القدر من الذين يتم مشاورتهم في الأمر ومن الذين يؤخذ برأيهم ، ومن ثم يصبحون فيما بعد فترة قليلة من الذين يسند اليهم العديد من المناصب الهامة المختصة بإدارة الثروات والمقدرات المتعلقة في شؤون البلاد والعباد.!!!
وكم أصاب بالدهشة والذهول والانصعاق حين يتم الترويج والتلميع لشخص ما إعلاميا من خلال إطلاعنا عن بعد عن مكنوناته ومميزاته ومواهبه الفريدة وعبقريته الفذة، ولكنك عن قرب وحينما تقترب منه أكثر تكتشف أنه مجرد ( فشك فاضي) ، وأنه ليس سوى إناء فارغ من المحتوى والمضمون ، وأنه مجرد شخص مريض بعقله بنوع من الأنفولونزا التي تم اكتشافها مؤخرا والتي تسمى أكرمكم الله "انفولونزا الحمير"!!.
وللأسف الشديد ، إن هذه الأمثلة من التي ذكرتها أعلاه ، وغيرها من التي لم أذكرها والتي لايسعفني الوقت لذكرها ؛ ماكان لها أن توجد ولا أن تتواجد ولا أن تكون ؛ إلا فقط في ظل زمن اختلت فيه القيم ، وانقلبت فيه المعايير ،واعتلت فيه الموازين ،وماكان لهذه الأمورأن تختل وتنقلب وتعتل ، وتتزاوج وتتوالد وتكثر وتتكاثر؛ إلا بسبب وجود التفرقة والمحسوبية والواسطة بين فئات المجتمع بدون أن يكون هناك أدنى اعتبارلمقاييس الجدارة الصحيحة ولا لمعايير الكفاءة الحقيقية عند الناس.
دانــا جهـاد ـ
جمهورية الصين الشعبية ـ بكين
طالبة جامعية