لماذا يلحدون ؟ (الجزء الثاني)
زاد الاردن الاخباري -
وتحسب أنك جرم صغير ... و فيك انطوى العالم الأكبر
لعل الأجوبة التالية تفي بالتساؤلات التي لطالما أحطناها بعلامات استفهام وترددنا في طرحها...
نعود لنسأل ..
- لماذا خلق الله الشر؟
الشر في الكون أشبه بالظل في الصورة ,إذا اقتربت منه خيل إليك أنه عيب
ونقص في الصورة .. ولكن إذا ابتعدت ونظرت إلى الصورة ككل نظرة شاملة اكتشفت أنه ضروري ولا غنى عنه وأنه يؤدي وظيفة جمالية في البناء العام للصورة.
الله لا يأمر إلا بالعدل والمحبة والإحسان والعفو والخير وهو لا يرضى إلا بالطيب
كامل ورحمن ورحيم وكريم ورءوف وهو قد خلق كل هذه الشرور في العالم .. المرض والشيخوخة والموت والزلزال والبركان والميكروب والسم والحر والزمهرير..
النظر المنصف المحايد سوف يكشف لنا أن الخير في الوجود هو القاعدة وأن الشر هو الاستثناء.
الحرية مع الألم أكرم للإنسان من العبودية مع السعادة.
ثم أننا نرى لكل شيء وجه خير فالمرض يخلف وقاية والألم يربي الصلابة والجلد والتحمل, والزلازل تنفس عن الضغط المكبوت في داخل الكرة الأرضية وتحمي القشرة الأرضية من الانفجار وتعيد الجبال إلى أماكنها كأحزمة وثقالات تثبت
القشرة الأرضية في مكانها ، والبراكين تنفث المعادن والثروات الخبيثة الباطنة وتكسو الأرض بتربة بركانية خصبة .. والحروب تدمج الأمم وتلقح بينها وتجمعها في كتل وأحلاف ثم في عصبة أمم ثم في مجلس أمن هو بمثابة محكمة عالمية للتشاكي والتصالح .. وأعظم الاختراعات خرجت أثناء الحروب .. البنسلين, الذرة ,الصواريخ, الطائرات النفاثة,كلها خرجت من أتون الحروب.
ومن سم الثعبان يخرج الترياق.
ومن الميكروب نصنع اللقاح
يقول الفيلسوف أبو حامد الغزالي: إن نقص الكون هو عين كماله مثل اعوجاج القوس هو عين صلاحيته ولو أنه استقام لما رمى.
وظيفة أخرى للمشقات والآلام .. أليست هي التي تفرز الناس وتكشف معادنهم؟
لولا المشقة لساد الناس كلهم ... الجود يفقر والإقدام قتال.
إنه الامتحان الذي نعرف به أنفسنا .. والابتلاء الذي تتحدد به مراتبنا عند الله.
ثم إن الدنيا كلها ليست سوى فصل واحد من رواية سوف تتعدد فصولها فالموت ليس نهاية القصة ولكن بدايتها.
ولا يجوز أن نحكم على مسرحية من فصل واحد ولا أن نرفض كتابا لأن الصفحة الأولى لم تعجبنا.
الحكم هنا ناقص..
والكامل واحد لا يتعدد .. ولماذا يتعدد .. وماذا ينقصه ليجده في واحد آخر غيره؟!
فالله أرسل الرياح وأجرى النهر ولكن ربان السفينة الجشع ملأ سفينته بالناس والبضائع بأكثر مما تحتمل فغرقت فمضى يسب الله والقدر .. وما ذنب الله؟! .. الله أرسل الرياح رخاء وأجرى النهر خيرا .. ولكن جشع النفوس وطمعها هو الذي قلب
هذا الخير شرا.
ما أصدقها من كلمات جميلة طيبة.
"خير من الله شر من نفوسنا"
-ما ذنب الذي لم يصله قرآن
ولم يأته نبي .. ما ذنبه .. وما مصيره؟
فالله أخبرنا بأنه لم يحرم أحدا من رحمته ووحيه وكلماته وآياته ؟!
قد يكون نورا يلقيه الله في قلب العبد .. وقد يكون انشراحافي الصدر .. وقد
يكون حكمة وقد يكون حقيقة وقد يكون فهما وقد يكون خشوعا ورهبة وتقوى.
وما من أحد يرهف قلبه ويرهف سمعه إلا ويتلقى من الله فضلاً.
أما الذين يصمون آذانهم وقلوبهم فلا تنفعهم كتب ولا رسل ولا معجزات ولو كثرت.
ومن يدري.. ربما كانت مجرد لفته من ذلك الزنجي البدائي إلى السماء في رهبة هي عند الله منجية ومقبولة أكثر من صلاتنا.
وعند القراءة المتأملة لأديان هؤلاء الزنوج البدائيين تدل على أنه كان لهم رسل ورسالات سماوية مثل رسالاتنا.
مثلا قبيلة "الماو ماو" نقرأ أنهم يؤمنون بإله يسمونه " موجابي " ويصفونه بأنه واحد لم يلد ولم يولد وليس له كفو ولا أحد, وأنه لا يرى ولا يعرف إلا من آثاره وأفعاله .. وأنه خالق ,رازق, وهاب, رحيم يشفي المريض وينجد المأزوم وينزل المطر ويسمع الدعاء ويصفونه بأن البرق خنجره والرعد وقع خطاه.
قبيلة الشيلوك يؤمنون بإله واحد يسمونه " جوك " ويصفونه بأنه خفي وظاهر .. وأنه في السماء وفي كل مكان وأنه خالق كل شيء.
قبيلة نيام نيام نقرأ أنهم يؤمنون بإله واحد يسمونه " مبولي" ويقولون أن كل شيء في الغابة يتحرك بإرادة " مبولي " وأنه يسلط الصواعق على الأشرار من البشر .. ويكافيء الأخيار بالرزق والبركة والأمان..
أليس هذا ال "موجابي " هو إلهنا بعينه .. ومن أين جاءهم هذا العلم إلا أن يكون في تاريخهم رسول ومبلغ جاء به .. ثم تقادم عليهم العهد كالمعتاد فدخلت الخرافات والشعوذات فشوهت هذا النقاء الديني.
وطوبى لمن آمن بالسماع ودون أن يرى معجزة.
والويل للذين شاهدوا ولم يؤمنوا ..
ومع هذا فقد قال الله في كتابه أنه لن يعذب إلا من أنذرهم بالرسل.
-كيف يعذبنا الله وهو الرحمن الرحيم على ذنب محدود في الزمن بعذاب لا محدود في الأبد؟ “ النار خالدين فيها أبدا “
ومن نحن وماذا نساوي بالنسبة لعظمة الله حتى ينتقم منا هذا الانتقام ؟..
إننا لسنا ذرة ولا هبأة في الكون .. وإن شأننا عند الله ليس هينا بل عظيما ..
ألم ينفخ فينا من روحه ..
ألم يسجد لنا الملائكة ..
ألم يعدنا بميراث السماوات والأرض ويقول عنا :
“ ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا “ .
إن فينا إذا من روح الله .
ونحن بالنسبة للكون لسنا ذرة ولا هبأة ..
إننا نبدو بالنظر إلى أجسادنا كذرة أو هبأة بالنسبة للكون الفسيح الواسع .
ولكن ألا نحتوي على هذا الكون ونستوعبه بعقلنا وندرك قوانينه وأفلاكه ونرسم لكل كوكب مداره ..
ثم يصعد رائد الفضاء على القمر فيكتشف أن كل ما استوعبناه بعقلنا على الأرض كان صحيحا ..
وكل ما رسمناه كان دقيقا .
ألا يدل هذا على أننا بالنظر إلى روحنا تجعلنا أكبر من الكون وأننا نحتوي عليه؟ وأن الشاعر كان على حق حينما خاطب الإنسان
قائلا :
وتحسب أنك جرم صغير *** وفيك انطوى العالم الأكبر
وماذا عن الذنب المحدود في الزمان الذي يحاسبنا الله عليه بعذاب اللامحدود في الأبد؟
"ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه و انهم لكاذبون"
أي أن ذنبهم ليس ذنبا محدودا في الزمان بل هو خصلة ثابتة سوف تتكرر في كل زمان ..
نحن هنا أمام نفس تحمل معها شرها الأبدي .ومن هنا كان تأبيد العذاب لهذه النفس عدلا
يقول ابن عربي :
إن الرحمة بالنسبة لهؤلاء أنهم سوف يتعودون على النار .. وتصبح تلك النار في الآباد المؤبدة بيئتهم الملائمة .
ولا شك أن هناك مجانسة بين بعض النفوس الهرمة وبين النار ..
فبعض تلك النفوس هي في حقيقتها شعلة حسد وحقد وشهوة وغيرة وغل وضرام من الغضب والنقمة والثورة والمشاعرالإجرامية المحتدمة وكأنها نار بالفعل .
مثل تلك النفوس لا تستطيع أن تعيش في سلام .. لا تستطيع أن تحيا ساعة دون أن تشعل حولها حربا .. ودون أن تضرم حولها النيران .. لأن النيران هي بيئتها وطبيعتها .
ومثل تلك النفوس يكون قرارها في النار هو الحكم العدل ويكون هذا المصير من قبيل وضع الشيء في مكانه ..
فلو أدخلت الجنة لما تذوقتها .
ألم تكن ترفض السلام في الأرض ؟
ولو أن الله تركهم على عماهم وجهلهم وأهملهم لكان في حقه ظالما..
والتعريف بالحق هو عين الرحمة.
وكل أفعال الله رحمة..
وللذين يستبعدون عن الله يعذب نقول : ألا يعذبنا الله بالفعل في دنيانا ؟..
وماذا تكون الشيخوخة والحرب والسرطان إلا العذاب بعينه .ومن خالقها؟
أليست جميعها إنذارات تدللنا على أننا أمام إله يمكن أن يعذب ؟..
مقتطفات من كتاب (حوار مع صديقي الملحد - د. مصطفى محمود)
يتبع.........