زاد الاردن الاخباري -
سهير جرادات - طول عمرك يا الأردني معدم ومديون ...دخلك تحت خط الفقر ، تعيش على الكفاف، راتبك محدود ، وبيتك مرهون ، وسيارتك بالقروض، وزواجك بالكمبيالات ، وأثاثك بالاقساط ، وملابسك من التصفية ، وعلاجك بما تيسر في المراكز الصحية ، ولاتكاد توفر رسوم دراسة الأبناء في الجامعات ، تقضي عمرك وأنت تسدد ديونك وقروضك التي لا تتناسب مع دخلك ، الذي لا يكفي سد رمقك ، واحتياجات أسرتك ، حتى بت تتحسب وتخاف أن يصاب أحد أفراد أسرتك برشحه بسيطة كي لا ترهقك الفاتورة العلاجية، وتكبدك ديونا لشهرين قادمين .
الفقر ليس بالشيء الجديد عليك أيها الأردني ، فأنت تنام مهموما ، وتصحو على دوامة الديون التي تثقلك بالهموم، ويشغلك التفكير بقدوم شهر الصوم ، ومن بعده العيد ، وتقلقك عاصفة ثلجية لما يترتب عليها من مصاريف ليست في الحسبان ، ويرهقك موسم العودة إلى المدارس ، حتى أثمان كفنك وقبرك بعد موتك تنشغل بها ، وتؤرق منامك .
مع كل هذه الظروف المعيشية الصعبة ، فالابتسامة لا تعرف طريقها إلى وجه الأردني إلا مرة واحدة في الشهر عند تلقيه تلك الرسالة النصية التي تفيد " تم إيداع راتبك .." ، لكن مفعول الابتسامة لا يستمر إلا ساعات محدودة ، لتُقتل الفرحة في أرضها بعد أن يتم حسم القروض البنكية ، وما يتبقى من الراتب لا يكفي "الدين الخارجي " المترتب من تراكم فواتير الماء والكهرباء والهاتف النقال ، وديون البقال و" الاقتراض " من الأهل والأصدقاء والزملاء ، وما أن يصل إلى الثلث الأول من الشهر ليبدأ بالاقتراض من جديد ، على أمل السداد عند نزول الراتب ، وهكذا دواليك.
طول عمرك يا الأردني تتأرجح "و تروج ولا تقع" ، والأمر ليس بجديد عليك ، إنما ما استجد عليك هو "جائحة كورونا" وصدور أوامر الدفاع بتخفيض الرواتب ، التي وأدت قطاعات بعينها ، وأدت إلى اتساع رقعة الفقر وسجلت أعلى نسبة بطالة في الاردن، بعد أن منحت أصحاب العمل حق تهديد استقرار الأسر بفقد بعضهم عمله ومصدر دخله ، أو إنهاء عقود العمل ، ولم نسمع بأوامر دفاع لتخفيض الضرائب ، أو خفض أسعار الماء والكهرباء والسلع الغذائية أو أسعار الخبز ، فحولت الأحوال من أسر تتأرجح ولا تسقط ، إلى أسر آيلة للسقوط .
وشهدنا أسرا سقطت في تيه الفقر والعوز ، واضطرت إلى نقل أبنائها من المدارس الخاصة إلى الحكومية ، فيما بعض الأسر طلبت من ابنائها تأجيل فصل أو فصلين دراسيين جامعيين لحين ميسرة ، ومنها من ترك منزله للانتقال إلى منطقة أخرى سعيا لايجار أقل، أو لتكون الأسرة بجانب الأهل ليتمكنوا من رعاية الأبناء وهم يدرسون عن بعد .. وهناك عائلات وجدت نفسها في ليلة وضحاها دون مصدر دخل، بعد أن القي بها خارج سوق العمل لاغلاق قطاعاتهم بالكامل .
واضطر بعضهم لتسليم سياراتهم للبنوك المُقرِضة ، ومنهم من سلم منزله للانتقال والعيش مع بيت العائلة ريثما تنتهي الازمة التي كما يبدو لا نهاية قريبة لها.. إحدى المدرسات غيرت إعلانا كانت قد وزعته على المحلات المجاورة من معلمة دروس خصوصية إلى فتاة على استعداد للعمل في تنظيف المنازل !.. وشوهدت سيدة تقف في أحد مواقف السيارات تعرض سيارتها المتواضعة بسعر زهيد مع إمكانية التقسيط المريح لحاجتها للمال ؛ نظرا لانهاء عقد عمل زوجها الذي يعمل في الخارج ، وغيرها الكثير الكثير من القصص المؤلمة.
من الواضح أننا وصلنا إلى زمان ، يحمل في طياته الكثير من المتناقضات ، والتغير في كثير من مناحي حياتنا ، بصورة بتنا فيها وكأننا نعيش بين زمانين! زمن ما قبل كورونا ، وزمن ما بعد كورونا ، تماما كما نقول عند حديثنا عن الماضي ، ما قبل التاريخ وما بعد التاريخ !!
Jaradat63@yahoo.com