لا يختلف إثنان على أنّ الموساد الإسرائيلي هو من أقوى أجهزة التجسس العالمية التي تعمل بكل جرأة وتصميم لخدمة عقيدة كيانها الإسرائيلي القائمة على قاعدة قتل كل من هو غير يهودي ، وتدمير وحرق كل ممتلكاته ، المرتكزة على إفتاءات حاخاماتهم المستمدة من توراتهم المزعومة ( وإذا دفعها الرب إلهك إلى يدك فاضرب جميع ذكورها بحد السيف ، وأما النساء والأطفال والبهائم وكل ما في المدينة، كل غنيمتها فتغنمها لنفسك : سفر التثنية ) ، ومن بروتوكولات حكماء صهيون ( إنّ ضخامة الجيش وزيادة القوة البوليسية ضروريتان لإتمام خططنا للسيطرة على العالم ، وأنه ضروري لنا كي نبلغ ذلك جيش كثير وبوليس مخلص لأغراضنا : البروتوكول السابع ) .
فطوال فترة الصراع العربي الإسرائيلي برع الموساد بالتخطيط للكثير من العمليات ضد قادة النضال الفلسطيني والعربي على حد سواء ، وقد نجح بالكثير منها بسبب إما عدم القدرة على التستر الأمني الضروري من قبل القائد أو القادة المستهدفين ، أو بسبب قدرة جهاز الموساد على القيام بعمليات اختراقات بصفوفهم وخاصة ضمن الدائرة القريبة والمحيطة بهم أو بسبب عقدة حب الظهور عند القائد المستهدف والتي ربما يكون بسببها مقتله ، أو بسبب تآمر على حياته من قبل آخرين حاسدين أرادوا الإستعلاء والتقدم على جثته فقدموا معلومات مجانية للموساد الباحث عن مثلها ، فيقتنصها من خلال صفحات الجرائد أو من خلال الفضائيات المتسابقة للسبق الصحفي على حساب الآخرين .
وإسرائيل كدولة معتدية لا يهمها انتماء أو فكر أو جنس أو عمر الضحية عندما تتخذ قرارها بالتخلص منه ، خاصة إذا كان لوجوده تأثيرات على وجودها وأمنها وسبل بقائها ، فهي قررت التخلص من الشهيد أبو جهاد عندما خطط لعملية ديمونة التي لونجحت لغيرت مجرى التاريخ ومسار القضية الفلسطينية ، وبسبب تحميلها إياه المسؤولية عن اندلاع الإنتفاضة الفلسطينية الأولى المباركة ، كما أنها قررت التخلص من ياسر عرفات بعدما أيقنت أنه لن يساوم أو يتنازل عن الثوابت الفلسطينية والتي من بينها وأهمها قضيتا القدس وحق العودة ، وهي قررت إغتيال الشيخ أحمد ياسين بعدما تأكدت من جدية شعاره ( بأنّ حماس خلقت لتقاد من الخنادق وليس من الفنادق ) ، وبعدما أيقنت رفضه المطلق لخطة الغير من قادة حماس المتعاونين معها بافتعال حرب أهلية فلسطينية وبسفك الدماء الفلسطينية وبتجاوز كل الخطوط الحمر التي تنظم العلاقات الفلسطينية الداخلية ، كما أنها اغتالت الزعيم الفلسطيني الوحدوي عبد العزيز الرنتيسي وإسماعيل أبو شنب بعدما أيقنت أنهما كانا بمثابة جهاز الفرملة الذي منع حماس من الإنفلات ، لتنتقل بعدهما من داعم للحراك الوطني الفلسطيني إلى جارفة تودي بحياة شعبها وحركاتها الوطنية وثوابته ، خدمة للآخرين بالفنادق وبعواصم الضباب والغاز واليورانيوم المخصب .
وأخيرا ربما تكون إسرائيل قد نفذت عملية اغتيال الشهيد محمود عبد الرؤوف المبحوح ، الاسم المجهول المتحرك في عالم العمل السري المحدد بمهمة خاصة ومحددة ، بواسطة جهاز الموساد أو بواسطة مافيا السلاح أنفسهم اللذين أكثرهم هم عملاء لجهاز الموساد نفسه ، فقد نجحت إسرائيل دائما من حيث فًشل الآخرين أو من حيث فُشِّلوا أو من حيث تآمروا على أنفسهم ، فطالما بحثت إسرائيل عن أذرع المقاومة التي تنجح بشراء السلاح من السوق العالمية الحرة أوالسوداء ، فهي إما زجت بهم بالسجون والمعتقلات أو إغتالتهم ، أما الغريب في قضية الشهيد المبحوح أنّ قادة حماس السياسيين أو من يمثلونهم لم يكونوا من الجادين بتوفير الغطاء والساتر الأمني للمطلوبين ، بل كانوا من حافري السراديب والحفر لرميهم والقادة المتميزين بها ، فهم بالتأكيد يعلموا قبل غيرهم أنه وقبل بداية العام الجديد كان يعمل كزول كما يقول الأخوة السودانيين ، وشبحه بالتأكيد مطلوب للإسرائيليين لمسؤوليته عن بعض صفقات السلاح التي نجح بشرائها ونقلها إلى سيناء حيث نهاية مهمته ، وإن كان فشل بعضها بفعل الرصد والمتابعة من الموساد الإسرائيلي ، ومن الأقمار الصناعية الإسرائيلية المتطورة التي مجال كشفها التجسسي يغطي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والبحر الأحمر ، فكانت العملية الإسرائيلية المعقدة التي نفذتها الطائرات الإسرائيلية المقاتلة في شرق السودان ، والتي نتج عنها تدمير قافلة الشاحنات التي تحمل السلاح ومرافقيها وذلك في شباط سنة 2009م .
بعد هذه الحادثة لم تنم أعين الموساد بالتأكيد بل نشطت وازدادت وتيرة متابعاتها للزول ، حتى جاءت فرصته على طبق من ذهب ، فقد تأكد أنّ الشهيد المبحوح أجبر على إجراء مقابلة تلفزيونية للإعلام المقاوم التابع لحركة حماس في غزة وبأمر مباشر من القيادة السياسية فيها بعد ستة أشهر فقط من حادثة السودان ، دون تشفير مدروس على معالم الجسم والمكان ، يعترف بها إجابة على الأسئلة المحددة والإلزامية الموجهة إليه بمسؤوليته عن بعض العمليات العسكرية الخطيرة ، والتي منها بعض عمليات قتل واختطاف جنود ، وأيضا عن مسؤوليته المباشرة ومهمته المتعلقة بشراء السلاح وتأمين نقله ووصوله إلى سيناء ، وهنا وكما يقول المثل كان مربط الفرس ، وبعد أن تأكدت قيادة حماس بالداخل من مثل ذلك الخطأ الأمني الذي ألهب مشاعر بعض القساميين ، عادت وأمرت بإعادة إجراء المقابلة وفق الأسس الأمنية الضرورية دون قيامها بإتلاف الشريط الأول الذي احتفظت به ، والذي ربما تحتها خطين يكون قد وصل بفعل فاعل من العيار الثقيل إلى الموساد .
فصوت الجماهير العالي ينعيك أيها الوطني المبحوح ، ويدعوا الله أن يغفر لك خطاياك ويتجاوز سيئاتك ويزيد من حسناتك ، فإن بح صوتك أثناء حياتك لأنك كنت ممن يعملون بصمت ، أو كان أُخرس من قبل بعض حسادك وأعدائك في حركة حماس ، اللذين إن علِموا أنّ خطأهم المقصود كان دون دراية فتلك مصيبة ، أو إن كان بدراية وعن سبق إصرار وترصد وتعاون من الإحتلال فالمصيبة أعظم ، فصوت الجماهير الهادر يطالب بإسقاط القتلة اللذين استخدموا السلاح الذي تعبت بشراءه وجهدت بنقله في غير موضعه ، بعد أن أخرسوا السلاح ضد إسرائيل قبل أن يخرسوا صوتك ، وبإسقاط المتآمرين اللذين جعلوا العرب عربين ، وقسموا الوطن بعد أن أقتنعوا وأقنعوا السفهاء أنّ القضية الفلسطينية باتت مشكلة غزة ، وكأن الضفة الغربية تعيش برخاء وأمن وسلام ، ويفتكون بشعبنا بنفس السلاح الذي تعبت بشراءه ونقله تارة باسم الدين وأخرى باسم المقاومة ، قال صلى الله عليه وسلم ( آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان ) .