ليس مستغربا أن يسمى هذا الحي الشعبي في الزرقاء, بحي المصانع؛ فهذا الحي الواقع أول مدينة الزرقاء للقادم إليها من عمان عن طريق الأتستراد, يمتاز بكثرة المصانع الملازمة لمنازل المواطنين – كما هو حال أكثر الأحياء السكنية في الزرقاء أو الهاشمية - هذه المصانع مع كل مخلفاتها السامة والضارة من برك فاسدة ودخان لا يتوقف, ورائحة كريهة تلازم السكان ليل نهار وتنغّص عيشتهم, وهم المغلوبون على أمرهم من مضار المصانع عليهم, وعلى حياة أبنائهم, والأدهى والأمر أن هذه المصانع لا تساهم ولو قيد أنملة في خدمة السكان المحليين, من مبدأ تقديم الخدمة للمجتمع المحلي من أماكن ترفيه وتسلية أو مرافق عامة كمكتبات, أو أي فكرة تُجسّد على الواقع من شأنها أن تخدم الأهالي وتنسيهم مضار المصانع, بل تكتفي بإهدائهم النفايات والتلوث, في حين إن إدارة وخيرات هذه المصانع هناك في قصور عمان الغربية.
حي المصانع هو واحد من أحياء كثيرة في الزرقاء تعاني من مجاورتها للمصانع المختلفة والمتعددة, كما أن النتائج واحدة أيضا من حيث المضار والتلوث البيئي السيئ. وبصراحة مطلقة وفي هذا الزمان الذي نعيش والذي يسيطر فيه المال على كل شيء؛ من شراء للذمم ودفع الرشاوى, وتقديم الهدايا, وإقامة الولائم المشبوهة والمشروطة, والليالي الحمراء, من أجل غض الطرف والنظر عن كل المخالفات والمخالفين, والفساد والمفسدين؛ نعم في ظل هذا الزمن زمن المال والسلطة زمن ( الرأسمالية العمياء) الخاسر الوحيد من هذه المعادلة هم الفقراء البسطاء وهم الأكثرية المغلوب على أمرهم, الجاهلون لأبسط حقوقهم. فعندما قمت بجولة في هذا الحي الشعبي, والتقيت بعضا من سكانه الذين ذاقوا ذرعا بتلك المصانع, حيث ذكروا في معرض أحاديثهم عن سموم هذه المصانع وخاصة ما يتعلق بالروائح الكريهة والبرك التي تحتوي مخلفات المصانع, وعند سؤالي لهم لماذا لم تتقدموا بشكوى إلى الجهات المختصة؟ أجابوا أننا تقدمنا بشكاوى مرارا وتكرارا ولم يسمعنا أحد.
ولكني أقول لكم ما عاد البكاء ينفع في شيء؛ لأن القلوب قست وتحجرت وأصحابها تغوّلوا وباتوا وحوشا, وما عادت الشكوى تجدي نفعا من واحد هنا, وآخر هناك, فسرعان ما يفتر صاحبها ويحبط, من وعود المسؤولين الزائفة والمخادعة.
الهواء هواؤنا, ونعمة منّا الله علينا بها, ومن حقنا كبارا وصغارا أن ننعم ببيئة نظيفة آمنة, وإذا عجزت الدوائر الرسمية بفساد مسؤوليها عن حل هذه المشاكل البيئية الخطيرة, فلا بد من حلول بديلة, تكمن من وجهة نظري في المقترحات التالية, راجيا أن تلقى الآذان الصاغية من كل المهتمين وعلى المستوى الشعبي فقط :
أولا: يجب تفعيل دور جمعية البيئة الموجودة (اسما فقط) في مدينة الزرقاء, وإعادة إحيائها من جديد بعناصر تضع المصلحة العامة في أول اعتباراتها.
ثانيا: على كل المهتمين والحريصين والغيورين على سلامة البيئة في مدينة الزرقاء التنسيق فيما بينهم من خلال هذه الجمعية, التي ستعد المظلة الرسمية لنا.
ثالثا: العمل على توعية المواطنين في مدينة الزرقاء بالمخاطر البيئية الكبيرة والمتعددة, وتصنيفها حسب الأولوية, واستقطاب العدد الأكبر من المهتمين والمتطوعين.
رابعا: العمل على توعية المواطنين الأكثر تضررا من المصانع ومخلفاتها بحقوقهم القانونية والمشروعة, ورفع الدعاوى سواء بشكل فردي, أو جماعي إلى المحاكم المختصة لمقاضاة المصانع على الأضرار التي تلحقها بحق المواطنين.
خامسا: الضغط بكافة الوسائل المشروعة, والقانونية على إدارات هذه المصانع لتقديم الخدمة للمجتمع المحلي والأحياء السكنية التي تتواجد فيها, أو الرحيل بعيدا عن التجمعات السكنية.
سادسا: تعميم هذه التجربة على بقية المدن الأردنية كسحاب مثلا.
وأخيرا أقول: نعم ما حك جلدك مثل ظفرك, أيها الزرقاوي, فلا تنتظر أحدا من المسؤولين ليأتي ويحل المشاكل البيئية الكارثية على الإنسان والحيوان والشجر, دون أن تصرخ وتطالب بذلك جهارا نهارا, صباح مساء.