يعيش عالمنا العربي أزمات متجددة، لا يكاد يصحو بلد عربي من زلزال شديد يضرب أعمق أركانه، إلا ونصحو مع بلد عربي آخر على زلزال أشد وقعاً وأكثر إيلاماً وتأثيراً.
اليوم بدأت مملكة البحرين تستعيد شيئاُ من عافيتها، وبدأ المواطنون والمقيمون فيها يستعيدون الشعور بالأمان بعد قضاء فترة ليست بالبسيطة من الرعب والخوف وعدم الإستقرار.
ولأنه من الضروري التفكر فيما يحصل حولنا، مسبباته، تطوراته، نهاياته، وعلاقته بالتاريخ البعيد والقريب، سنقوم بفتح ملف أحداث البحرين سوياً اليوم.
مملكة البحرين أو (دلمون) بمسمّاها القديم، حصلت على إستقلالها في العام 1971م، بعد خروج البريطانيين من الخليج العربي، ولكن هذه الدولة عانت الكثير من التدخلات بعد هذا الإستقلال ومن قبله.
وقد كانت إيران على رأس المتدخلين المتغلغلين في الشأن البحريني دائماً، ولكنها في هذه المرة أطلقت العنان لمندوبها اللبناني ليعلن موقفها إنطلاقاً من معقله الحصين في جنوب لبنان، وبهذه الطريقة تبعد عن نفسها الشبهة بانها قالت أو حرضت أو تدخلت بشكل مباشر.
لابد لنا هنا إستذكار الدور الإيراني في مملكة البحرين، خصوصاً في التاريخ القريب ومدى علاقته بعنوان هذا المقال، فالبحرين التي خضعت لحكم الكثير من الإمبراطوريات في قديم الزمان، نزل بها الإحتلال البرتغالي في العام 1521م، بعد ذلك وقعت البحرين تحت الإحتلال (الصفوي) الإيراني منذ 1602م وحتى 1783م، حتى إستطاعت أسرة آل خليفة (الحاكمة في البحرين) تحرير البلاد من الإحتلال الصفوي.
بعد ذلك لم تستقر الأمور في البحرين، حيث وقعت البحرين تحت الإستعمار مجدداً، ولكن البريطاني هذه المرة، وقد إستمر حتى إستقلال البلاد عام 1971م.
إيران لم تكن لتدع البحرين تحصل على إستقلالها بهذه السهولة، فقد طالبت بحقها في البحرين، بل وإعتبرتها جزءاً لا يتجزأ منها (المحافظة 14)، ولكنها عندما شعرت بقرب إستقلالها عن بريطانيا العظمى، قبلت بتسوية مع البريطانيين تقضي بغض طرفهم عن إحتلال إيران الجزر الإماراتية الثلاث، مقابل تنظيم إستفتاء للشعب البحريني بإشراف الأمم المتحدة عام 1970م، ليختار فيه الشعب البحريني أن تكون البحرين مستقلة وبعيدة تماماً عن السيطرة الإيرانية.
بكل الأحوال أصبح المغزى الإيراني أوضح من الشمس في منطقتنا العربية، فالرئيس الإيراني يخرج علينا لينتقد مثيري الفتنة الطائفية بين الشيعة والسنة، وفي ذات الوقت يطلق أزلامه وعملائه في جميع الدول العربية، ليجتهدوا في نصرة إخوانهم الشيعة ضد أعدائهم السنة الذين يناصبون آل بيت رسول الله عليه الصلاة والسلام العداء (كما يزعمون) فأي تناقض هذا !!!
ما شاهدناه من أحداث مؤلمة في البحرين من قبل بعض الشيعة هناك، ونقول بعض، لأننا دائماً ما كنا أنصار وحدة المسلمين، وإحترام الإختلاف والتعدد، ولكن الإحترام القائم على تقبل الآخر والتعايش معه، لا دهسه والدوس على رأسه، ومن ثم البصق على وجهه !!!
فالإختلاف هو سنة الحياة، وقد أخبرنا عنه الله عزوجل في كتابه الكريم، في قوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [سورة الحجرات:13].
فالإختلاف الذي نحترمه هو إختلاف التعارف والتآخي والتكاتف، وليس إختلاف التقاتل والتنافر ...
ما شاهدناه من تصرفات المخربين والمجرمين ومثيري الفتن خلال أحداث البحرين الأخيرة أرجعنا بالذاكرة أكثر من ألف عام إلى الوراء، تحديداً إلى تلك الحقبة الزمنية التي ظهرت فيها فرقة القرامطة، وهي فرقة خرجت من رحم فرقة الإسماعيلية الشيعية الباطنية، وتؤمن بمعتقدات غريبة مثل إحتجاب الله في صورة البشر، وغيرها من المعتقدات العجيبة الغريبة، وقد ظهرت في العصر العباسي، وإنشقت عن الخلافة العباسية، وكانت تأخذ شرعيتها من الدولة الفاطمية العبيدية الشيعية في شمال إفريقيا.
هذه الفرقة التي إستولت على منطقة دلمون (مملكة البحرين ومنطقة شرق المملكة العربية السعودية حالياً)، إستفحلت في الإجرام في حق المسلمين الأبرياء، الأمر الذي تذكرناه عندما شاهدنا إجرام هؤلاء المخربين في مملكة البحرين الشقيقة، ولمن لا يعرف عن إجرام هؤلاء القرامطة، يكفينا أن نستذكر معه حاكمها المجرم أبو طاهر القرمطي الذي هاجم الحجيج في مكة في يوم التروية الثامن من ذي الحجة عام 317هـ/929م، فقام بإستباحة الحجيج، وقتل منهم زهاء ثلاثين ألفاً، وإقتلع الحجر الأسود من مكانه، ثم ردم بئر زمزم بجثث الحجاج الأبرياء، ووقف على سطح الكعبة ليردد: أنا بالله وبالله أنا .... يخلق الخلق وأفنيهم أنا !!
وقد عاد بالحجر الأسود إلى أرض دلمون وبقي الحجر الأسود لدى القرامطة نيفاً وعشرين سنة !! حتى أعاده قائداً تركياً يقال له بجكم بعد أن دفع فيه مالاً كثيراً لإعادته إلى الكعبة المشرفة.
التساؤل الذي يقفز إلى أذهاننا عندما نرى هؤلاء المخربون يعيثون في الأرض فساداً ويثيرون الفتنة الطائفة وضد أبناء وطنهم، ترى هل تسعى إيران إلى إستغلال شيعة مملكة البحرين وشرق المملكة العربية السعودية، والذين تعايش معظمهم مع أهل بلادهم، وأصبحوا جزءاً منها، حتى يصبحوا دولة داخل الدولة وتستغلهم تماماً كما فعلت مع فئة كبيرة من الشيعة في جنوب لبنان !!
وأخيراً نتسائل من جديد، ترى هل تسعى إيران من خلال إثارة مثل هذه الفتن إلى إعادة أمجاد دولة المجرمين القرامطة في شرق الخليج العربي ؟؟ لتكشف لنا عندها نواياها بخصوص الحجر الأسود والكعبة المشرفة ومقدسات المسلمين الأخرى !!