زاد الاردن الاخباري -
يعمد طلبة جامعيون إلى توظيف واستثمار قدراتهم في أعمال تنظيف وصيانة ظلت حكراً لسنوات مضت على العمالة الوافدة، متجاوزين التعقيدات الوهمية لثقافة العيب، مبتدعين مبادرة خدماتية ينشدون من خلالها الرزق لمساعدة أسرهم على دفع الأقساط الجامعية وتأمين مصروفاتهم اليومية.
إذ عرضوا عبر تطبيق "واتس اب" حيثيات مبادرتهم الخدمية التي تتجلى في تنظيف البيوت والحدائق وتقليم الأشجار وغسيل السجاد وفك وتركيب الخزائن ونقل وتنظيف المستودعات وغسيل السيارات (على باب المنازل)، والصيانة العامة، محاولين التغلب على ظروفهم المعيشية لتخطي الواقع الاقتصادي الصعب.
هم مجموعة من الشباب الجامعيين يقطنون مدينة الرصيفة في محافظة الزرقاء، توصلوا لفكرة هذا العمل قبل جائحة كورونا مطلع العام الحالي، غير أن انشغال العالم والأردن بتداعيات الجائحة، حال دون تطبيقهم العملي للفكرة حفاظاً على الصحة العامة، ومنعاً لتفشي المرض، كما يقولون.
وأوضحوا أن حاجتهم للعمل حررتهم من بقاء الأيدي المكتوفة، بانتظار أي مساعدات أو إعالات من أي جهة، لذلك جددوا نشاطهم، معلنين نيتهم مزاولة هذه الأعمال، وفق الإجراءات الصحية اللازمة من تباعد اجتماعي وارتداء للكمامات والقفازات واستخدام المعقمات، في وقت يعدون فيه صفحة تحت اسم (همة شباب) على منصة (فيسبوك)، لتكون المعين لهم في الانتشار والترويح لأعمالهم.
ويقول الطالب عبد القادر ابو خديجة، وهو صاحب الفكرة، "اننا نقدم خدماتنا، لكل محافظات الأردن وحسب الطلب، وليس حصراً على محافظة الزرقاء، فمثلا كما يقول: "اليوم حصّلت 30 ديناراً، لقاء أحد الأعمال المنزلية آنفة الذكر، ولا تتصوروا كم نحن سعداء بهذا العمل، وسط اقبال لم نكن نتوقعه، اضافة الى تفاعل مجتمعي على نطاق واسع".
من جهته، يؤكد الطالب جهاد، أحد شباب المجموعة وأكبرهم سنا 29 عاماً، "تشرفت بالعمل ضمن الفريق في أعمال الصيانة والتنظيف، فقد درست دبلوم الهندسة المدنية، وعملت بمجالي في الخليج، ومن ثم عدت إلى الاردن لإكمال دراستي، وبالفعل سجلت في جامعة البلقاء التطبيقية (كلية الهندسة التكنولوجية - البوليتكنيك) ودرست لعام دراسي واحد، لكن للأسف توقفت عن الدراسة بسبب عدم القدرة على دفع الاقساط".
ويضيف:" قبل ذلك توجهت للعمل في قطاع النقل وعملت كسائق "تاكسي" وانتهيت منه لعدم جدواه المادية"، مشيراً إلى أن فكرة المجموعة راقت له، وهو "مستعد للعمل بل ومتحمس جداً، لا سيما وأن الأسعار المطروحة لقاء تلك الخدمات ستكون مشجعة وتفضيلية"، ومضيفاً أن أعضاء الفريق يتطلعون لكتابة قصص نجاحهم، ويتطلعون كذلك لإكمال مرحلة الدراسة الجامعية.
ويرى الخبير الاجتماعي الأستاذ الدكتور حسين الخزاعي، أنه لمثل هذه المبادرات الفردية - وإن أخذت طابعاً ضمن فريق متضامن-، ترفع القبعات، فهي خير سبيل لاستثمار أوقات الشباب بما يعود عليهم بالفائدة المعنوية والاجتماعية والمادية، فمثلهم يدرك أهمية استثمار القدرات لجعلهم من المعيلين لأنفسهم، لا أن يشعروا بأنهم عالة على أسرهم، التي ربما لا تملك القدرة المادية الكافية لمساعدتهم على دفع الاقساط الجامعية.
ويواصل، هذا ما يعّود جيل الشباب على تحمل المسؤولية حتى وهم على مقاعد الدراسة الجامعية، منوهاً إلى أهمية أن لا ينتظر المرء العمل ليأتي إليه، بل أن يبحث عنه ضمن المتاح، وأن لا يشترط المكان والزمان وقيمة الراتب في الفترة الجامعية، لأن ما يتأتى من عوائد مالية أثناء الدراسة هو الهدف، وليس الوقوف على اشتراطات لا تجدي، كثقافة العيب، أو أن ذلك العمل لا يناسب المستوى الاجتماعي، وغير ذلك من العوائق الافتراضية التي تحول دون الوصول إلى الأهداف المرجوة، وعلى رأسها الكسب الحلال لمساعدة الأهل.
ويضيف، على المجتمع أن يدعمهم ويقدرهم، وأن يعبر لهم بكل السبل عن الاحترام وابداء الدعم والتعاون معهم، لانجاح مبادرتهم، متابعاً، "بدلاً من الاعتماد الكلي على العمالة الوافدة في هذا السياق، - مع كل التقدير لها ولجهودها-، لابد من إعطاء شبابنا الفرصة للقيام باشغال ظلت لسنوات حكرا على فئة عاملة معينة، الأمر الذي يتناقض وواقع حال الشباب الذي هو بأمس الحاجة للعمل حتى وهو على مقاعد الدراسة".
ويلفت إلى أن "ما يقوم به الشباب ضمن هذه المبادرة المنتجة، هو بمثابة رسالة لكل الشباب الأردني، التي تتضمن عنواناً عريضا مفاده "العمل ليس عيبا"، وهو موجود إن بحثت عنه، والأفكار كثيرة، ويبقى على شبابنا التنفيذ، وعلى المجتمع الدعم".
من جانبه، يقول الاستاذ المشارك في علم النفس التربوي/ كلية التربية في جامعة اليرموك الدكتور فيصل الربيع: إن الشباب عنصر فعال في المجتمع، وعليهم ينعقد الأمل والرجاء، غير أن مجتمعنا بشرائحه كافة يعاني هذه الأيام من أزمة اقتصادية، زادتها جائحة كورونا إيلاماً، الأمر الذي شكّل معضلة أمام بعض الشباب، مما دفعهم إلى ابتداع مبادرات تساعدهم في توفير النزر اليسير من تكاليفهم المعيشية، لافتا إلى أن هذه المبادرات تطلق من صلب المعاناة.
ويتابع، بمثل هذه المبادرات سيتعلم الشباب أكثر من الحياة ويعملون من أجلها، الأمر الذي ينعكس إيجابا على المجتمع، وعلى الشباب أنفسهم؛ اذ ستزداد ثقتهم بأنفسهم، وبقدراتهم على التخطيط، والتنظيم، وحل المشكلات، كما أنهم ينتقلون من مرحلة التذمر والقلق إلى مرحلة الفعل والانتاج.
ويقدم الربيع النصح للشباب بشكل عام بعدم انتظار فرصة العمل بالقطاع العام حصراً، بل عليهم البحث عن فرص العمل واستثمارها في القطاع الخاص، وضمن المبادرات الابداعية والحلول المتاحة في شتى المجالات، والتخلي عن ثقافة العيب.
الناشطة في العمل الشبابي اماني المجالي تقول إنها تنظر لمثل تلك المبادرة الشبابية الرائدة بكل احترام وتقدير، لاسيما وأنها تُجترح في سياق واقع اقتصادي صعب، تأثر أكثر بفعل كورونا، وفي ظل تصاعد نسب البطالة التي تجتهد الحكومة في تقديم الحلول لها، ويأتي دور الشباب في ابتداع الطرق التي تساعدهم على كسب الرزق، وهي الخطوة الاهم باتجاه الاعتماد على النفس، والتعود على تقديم الخدمات للمجتمع، في سياق تعظيم قيم التشاركية والعمل بروح الفريق.
وتشير المجالي إلى أهمية هذه المبادرات في تكريس ثقافة ريادة الأعمال، فقد تكون النواة المثلى لمشروعات كبرى لاحقاً، بالتوازي مع انتهاء دراسة الطلبة الجامعية، ويكونوا قد أمنوا لحياتهم العملية طرقاً جيدة، لجني المال، بانتظار مآلات الوظيفة، مشددة على أهمية الإعلام، في تسليط الضوء على المبادرات الشبابية لتعميم الفائدة، وإبراز قصص النجاح، التي يحتاجها الجيل الذي يواجه التحديات الجسام في زمن كورونا على وجه التحديد.
يذكر أن معدل البطالة في المملكة بلغ خلال الربع الثاني من العام الحالي (0ر23) بالمئة بارتفاع مقداره (8ر3) نقطة مئوية عن ذات الفترة من العام الماضي 2019، حيث أن معدل البطالة، كان مرتفعاً بين حملة الشهادات الجامعية (الأفراد المتعطلون ممن يحملون مؤهل بكالوريوس فأعلى، مقسوماً على قوة العمل لنفس المؤهل العلمي)، حيث بلغ (6ر26) بالمئة، مقارنة بالمستويات التعليمية الأخرى، وذلك وفقاً لدائرة الاحصاءات العامة.