معتصم مفلح القضاة
بين الفينة والأخرى، وعندما تحتد الصعاب، يظهر علينا من هنا وهناك، بطل من أبطال الإعلام المحلي، أو جندي من جنود الواق واق، أو قائد ثوري، وقد يصل الأمر إلى رئيس دولة، يحذرنا من الخداع المسموم الذي تلقيه على مسامعنا قناة الجزيرة القطرية، ويلهج بالدعاء إلى الله أن يحفظنا ويعصمنا من الوقوع فريسةً لكذبهم وتضليلهم، وأن يجعل كيدهم في نحرهم لينقلب السحر على الساحر، كما تصف أقوال أولئك الأشاوس.
هذه الأحداث، والمقالات تذكرني عندما طلب الإعلام المحلي في سنة من السنوات من المواطنين عدم النظر إلى الشمس خشية فقدان أبصارهم، لنكتشف في نشرة الأخبار أن الناس في أقطار العالم قد تجمعوا في نفس الوقت ليستمتعوا بمنظر الكسوف، حيث استعملوا نظارات خاصة لذلك. فأين كانت هذه المعلومة البسيطة عن إعلامنا حين عم البلاد حظر تجول غير رسمي؟.
لقد دخلت قناة الجزيرة فضاء الإعلام العربي من أوسع أبوابه، ولا ينكر ذلك إلا نائم، إذ قدمت باقة من البرامج لم نكن نعتادها على شاشاتنا، ووضعت يدها على نقاط لا تجرؤ قنوات الدول أن تتطرق إليها لا من قريب ولا من بعيد، ربما يكون منها الصحيح ومنها ما هو غير ذلك ، فتلك قضية أخرى.
وهنا دخلت الجزيرة مرحلة الانتشار السريع، واستطاعت تجنيد أقلام أعدائها لنشر برامجها، فالبرنامج الذي فات المشاهد بالأمس، يكون أكثر شوقاً لرؤيته في الإعادة لكثرة ما يقرأ من هجومٍ عليه، ونقد لاذع على أفكاره وما طرح فيه.
والحق أقول أن هذه الأقلام المستعرة ضد الجزيرة قدمت للقناة من الدعاية أكثر مما قدمه مراسلوها في فترة من الفترات. دون أن يقدم أياً منهم بديلاً حقيقياً لما ينتقد، و المصيبة أن بعض هؤلاء ترأس في يومٍ من الأيام إدارة مؤسسات إعلامية تملك من الموارد ما تملك، دون أن يضيف لها شيئاً يذكر.
كما أن الجزيرة اليوم غير الجزيرة الأمس، فها هي تدخل عالم الوثائق والرياضة والأطفال، وتخاطب العربي والأجنبي على حدٍ سواء، وأنا لا أقف هذه الوقفة مدافعاُ عن القناة وأعمالها ومنهجها، ولكنني أقترح على المشتغلين بالقدح لهذه القناة أن يعكفوا على إيجاد بديلٍ مناسب، مذكراً إيهاهم أن الأردن كان من السباقين في أيجاد مدينة إعلامية حرة، لنجد اليوم أن هذه المدينة أصبحت في ذيل القافلة، والسبب – في رأيي – قيادات إعلامية تحتاج من يقودها.