الحاكم الطاغية
لقد ابتلانا الله في كثير من الأمور ليرى مقدار تحملنا وصبرنا على البلاء ، والصابرون لهم أجر عند ربهم .
ابتلانا بالفقر والمرض والجوع والجهل والمرض ، ورغم ذلك نحن صابرين ، بعضنا صابر ينال الأجر والثواب من الله ، والبعض صابر مكرها لأنه ليس بيده حيلة ، ولكن لحكمة أرادها الله تم ابتلائنا بحكامنا الطغاة ، ونحن ـ كشعوب ـ ساهمنا على زيادة هذه البلوى والمصيبة التي حاقت بنا .
من المفروض أن الحاكم هو مخلوق وهبه الله العقل وبعض السمات الشخصية التي أهلته ليكون حاكما وعلى قمة هرم الدولة ليحكم بين الناس بالعدل ويعمل على نشر المحبة وإسعاد الناس.
إلا أن الله سبحانه وتعالى يسر لنا ـ من فضله ـ بعض الحكام ولم يوهبهم أي ميزات تختلف عن الآخرين وبعض منهم يتسم بالغباء والبلاهة ولكنه يجد أناس على شاكلته يناصرونه ويعملون على تحويل الغباء والبلاهة إلى ذكاء وعبقرية ، فيصبح الحاكم هو الأول في كل شيء ، هو المعلم الأول والمفكر الأول والسياسي والرياضي والمثقف ... الخ الأول ، ولم يكتف بعض حكامنا بصفات الغباء والبلاهة بل أضافوا لأنفسهم صفة الإجرام والقتل وأصبحوا الحكام الطغاة ،
وهذا ما فسره ( أرسطو ) حول الطغاة فقال : الحاكم يحكم حكما مطلقا بلا رقيب أو حسيب ولا مسؤولية من أي نوع ، إنه السيد الأوحد الذي يحكم لمصالحه الشخصية ولأهدافه الخاصة وحدها ، ولا يكترث لشيء ، إنه حكما بالإكراه واغتصاب للسلطة دون وجه حق ويسخر كل شيء لإرادته ورغباته ( وهو لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ) .
والحاكم الطاغية لا يثق بشعبه ولهذا يعمل على تدمير روح الشعب وزرع بذور الفتنة والشك ويوصلهم لمرحلة من العجز عن فعل شيء ويعودهم على الذل والهوان والعيش بلا كرامة ، ويقضي على كل أصحاب العقول والمفكرين والمثقفين ، كما يعمل على تجنيد جواسيس لجمع المعلومات عن شعبه ومحاولة إغراء بعض النفوس الذليلة لنشر الفساد والخلاف بين أفراد الشعب .
والأمر المهم لعمل الحاكم الطاغية هي محاولاته إفقار شعبه وفرض الضرائب التي تثقل كاهلهم حتى ينشغل الناس بالبحث عن قوت يومهم فلا يجدون الوقت للتأمر عليه ، كما ويعمد الحاكم الطاغية إلى محاولات إشعال الحروب وافتعال المشاكل مع الدول المجاورة لضمان المزيد من انشغال الشعب ـ وشعار الحاكم الطاغية ـ إن جميع الشعب يودون الإطاحة بي ـ ولهذا نجد الحاكم الطاغية يختار الفاسدين ليكونوا عونا له لأنهم عبيد النفاق والتملق والمداهنة ، والحاكم الطاغية يكره الرجل صاحب الكرامة والشرف والسمعة الطيبة لأنه سيزاحمه في هذه الصفات ، فالحاكم الطاغية هو صاحب الشرف والكرامة وإن امتلاك غيره لهذه الصفات هو اعتداء على شخص الحاكم .
كما ويصف ( أرسطو ) طغيان الحكام الشرقيين بأنه نموذج حقيقي للطغيان وهذا ما يؤكده الأوربيون عندما يشتمون حاكما لديهم يصفونه بأنه أقرب إلى ( الطاغية الشرقي ) فالحاكم الطاغية الشرقي يعامل شعبه معاملة السيد للعبيد ، وكما قال ( هيغل ) إن الشرقيين كانوا جميعا عبيد للحاكم الذي ظل هو وحده الرجل الحر في الدولة .
زين العبدين بن علي كان الأول والأخر والظاهر والباطن والشرف والكرامة، وبقدرة الله والشعب الثائر أصبح شين العابدين وكل ما تحمله صفات الذل والهوان والخسة والاحتقار.
وفرعون مصر مبارك الذي كان كثير من الشعب المصري يسبح بحمده ها هو مطلوب للعدالة على جرائمه وما زال يتجرع كأس الذل والانكسار ، وبعده ملك ملوك إفريقيا وإمام المسلمين والمفكر ألأممي ، وبعده من يدعي أنه موحد اليمن ... الخ والمسبحة قد انفرط عقدها .
ابتلانا الله بطغاة وأمرنا أن نغيرهم ، ولا يطمئن أي حاكم أنه بمأمن من شعبه وإن قرأ أو سمع أو شاهد أن لديه مؤيدين وموالين له فلا يثق بمن يزين له هذه التفاهات من الموالاة والمؤيدين لأنها لا تنبع من قلب ووجدان شعبه وليعلم أنهم مكرهون على ذلك ....
وكل سقوط طاغية والشعب العربي بألف ألف خير
عمر قاسم اسعد
http://knol.google.com/k/عمر-قاسم-اسعد/الحاكم-الطاغية/emrfwy4lwbpw/51#