تعتبر الخيانة خيانة بحد ذاتها ، ولايمكن أن نجزئها أو أن نقلصها ، كأن نقول أن هذا الشخص في هذا الجزء من القضية لم يكن خائن ، أو ان هناك خيانة صغيرة وخيانة كبيرة ، وذلك من منطلق رئيسي وهو أن مجرد التفكير بالخيانة هو بحد ذاته خيانة ، ونفس الكلام يطبق على الفساد ، فليس هناك فساد أصغر وفساد أكبر ، كلاهما فساد سواء من مجرد أن يتطاول الموظف الحكومي على المواطن بلغة غير لغة الاحترام ، أو أن يتطاول عليه ليأخذ سيجارة ، أو أن يختلس ملايين الدنانير فكلاهما فساد ، ومن هذه المقدمة أجد الأصل في الفساد يعود الى أمريين جوهريين ، وهنا أنا اتحدث عن الفساد الأصغر أو الأكبر ( مع أنني ضد مثل هذا التقسم ) ، فالأمر الاول هو عدم وجود ضوابط مالية واضحة ومدققة ومتابعة من قبل لجان ذات استقلالية عن الأدارة المالية ، وفي حادث الاختلاس في وزارة الخارجية دليل واضح على عدم وجود مثل هذه الألية من المتابعة ، لأنه وبكل بساطة كيف يستطيع موظف حكومي أن يختلس مبلغ يتجاوز الثلاثمائة ألف دينار من خلال تلاعبه بفواتير مالية لاتتجاوز الألف دينار وعلى مدار سنوات ، وفي تعليق دولة الرئيس البخيت على هذه الحادثة وأثناء مؤتمره الصحفي أشار إلى أن هذا الشخص بما معناه ( قد لعبها بذكاء ) ،وسؤالنا هنا اين الرقابة اليومية أو الاسبوعية أو الشهرية أو النصف سنوية أو ...أو ؟ ، وفي نفس الوقت هناك تصرف شبه يومي ومبالغ صغيرة لو جمعت معا على مدار الاسبوع والشهر لتجمع لدينا فساد كبير ، من مثل الاستغلال الكبير لمصاريف المحروقات الحكومية ، وبدلات الضيافة للندوات والمؤتمرات ، وبدلات الانتداب والسفر ،والأمر الثاني هنا في الاشهار بالفاسدين على كافة مستويات الفساد الصغير أو الكبير ، فالتاجر الذي يسمح لنفسه أن يبيع الناس مواد غذائية فاسده هو فاسد ، والذي يختلس ملايين الدنانير كذلك فاسد ، وهنا لانريد أن نسير على قاعدة المثل التي تقول ( أن شيئان لايعلم بهما الناس هما موت الفقير وزنا الغني ، وشيئان يلعمانهم الناس هما موت الغني وزنا الفقير )، و لا أريد أن اعدد لأن معالي الدكتور ابو حمور كأستاذ بالاقصتاد يعلم أين هي المناذف التي يستطيع بها ومن خلالها الفاسد أن يعمل ، لأننا هنا لانفرق بين الفساد الكبير أو الصغير ولايمكن أن يتم تجزئته بالقول أن هذا النوع من الهدر في المال العام لايعتبر فساد وعلى قاعدة أن هذه ليست خيانة كبيرة ، فحكومتنا تستجدي المنح والتبرعات من الجميع وهذا شيء معلن على أعلى المستويات ، ولعل في حديث دولة الرئيس أننا سنقوم بزيارات للأشقاء في الخليج له معنى واحد وهو أننا سنطلب منهم معونات ، لنحتفظ بماء وجهنا أمام الجميع ونعيد مراقبة كل الانفاق العام بصغيره وكبيره لنعطي للأجيال القادمة نظرة من الأخرين بها كرامة وحفظ لماء الوجه .