طالما كانت البلديات في جميع أنحاء المملكة عبئاً على المالية العامة للحكومة ، وهي تسخر جميع إمكانياتها المالية والبشرية والقوانين والتعليمات للجباية من المواطنين بشتى الأشكال والأصناف المعروفة وغير المعرفة . وهذا طبيعي طالما أن الحكومة الأم تجسد فكرة الجباية وتتفنن في اختراع المنتجات المالية التي تعزز هذه الجباية .
ولكن هناك فرق واضح بين الأسلوبين في أن البلديات بجبايتها قد تقدم خدمة للسكان المحليين من نظافة أو تحسين للطرق أو غيرها من الخدمات العامة ، وإن كانت هذه الخدمات أيضاً لم نراها منذ فترة طويلة والأمور تزداد سوءاً يوماً بعد الآخر ، ناهيك عن الاختناقات المرورية التي تعاني منها جميع مدن المملكة وبخاصة المدن القديمة التي تتسم بضيق في الشوارع وازدحام بالمشاة .
فكرة البلديات المنتجة تعمل على تعزيز مصادر الأموال الذاتية وتحسن من كفاءة استخدام الأموال المتاحة لديها ، خاصة في ظل شح مصادر الأموال المتاحة أصلاً وعجز الكثير منها على تلبية احتياجات السكان من الخدمات الأساسية المنوطة بها . فالبلديات في إنفاقها العام خاصة الإنفاق الرأسمالي منه ؛ لا يتم فيه احتساب كفاءة الدينار المنفق على هذه الاستثمارات ومقدار القيمة المضافة التي يولدها، وبصورة أبسط ما هي القيمة المضافة للاقتصاد في المدينة من خلال فتح وتعبيد شارع في منطقة بعيدة نائية بعيدة لأنها ملكاً لفلان من الناس، مقارنة بالقيام بنفس المشروع في منطقة تشهد نمو عمراني وسكاني ، أو صيانة الخدمات في منطقة أكثر حيوية داخل المدينة .
البلديات لم تقم أيضاً بدورها الاستشاري في المدينة ، فضعف الخدمات العامة والمحسوبية في التعيين والفساد والبيروقراطية ، جعلها أيضاً في غفلة عن القيام بتقديم الخدمات الاستثمارية للقطاع الخاص في المدينة ، وهنا يجب توسيع الاستثماري الذي قد تلعبه البلديات عوضاً عن الاكتفاء بتقديم خدمات منح التراخيص ومراقبة البناء ومدى مطابقته للمواصفات ، وهنا قد يتم إنشاء دائرة الاستثمارات في البلدية والتي من خلالها تقدم الدراسات الفنية والرسومات الهندسية للمشاريع المنوي تنفيذها بأجر ، وإرشادهم للاستثمار في الاحتياجات التي تنقص المدينة ، وعدم تكدس المشاريع في قطاع واحد فقط ، كما أن البلدية بحكم عملها وإطلاعها على الأمور قد توجه المقاولين للاستثمار العقاري في مناطق جديدة بعيدة عن الأماكن المزدحمة ، وهنا يأتي دور البلدية في تقديم الخدمات التقليدية المنوطة بها لهذه الاستثمارات.
دور البلدية المنتجة أيضاً يكمن في إنشاء دائرة للتخطيط المالي تعنى بالتخطيط الاستراتيجي لاستخدامات ومصادر الأموال المتاحة في البلدية خلال فترة 10 سنوات قادمة مثلاً ، والبحث عن مصادر تعزيز هذه الأموال ، كما يمكن للبلدية القيام باستثمارات تشاركية مع رجال الأعمال والقطاع الخاص ، أو قيام البلدية بتأجير السكان بعض الأراضي المملوكة لديها ، لاستخدامها في إقامة المناسبات المختلفة عليها بعيداً عن زحمة المدينة .
فكرة البلدية المنتجة لا تمنع من وضع خارطة استثمارية للمدينة تبين فرص الاستثمار بشكل واضح ، وهي تمتلك أيضاً السلطة في عدم منح التراخيص الجديدة لإقامة المشروعات التي تزدحم بها المدينة ، ولا يمنع من وجود فرع لصندوق التنمية والتشغيل داخل هذه البلديات يساهم في تعزيز كفاءة استخدام القروض الصغيرة وتوجيهها بفعالية نحو المشاريع المدرة للدخل والموفرة لفرص العمل ، وهذا له جانب مهم في امتصاص جزء من البطالة وتوجيه الخريجين الجدد نحو مجالات العمل المنتج بدلاً من انتظار فرصة العمل الحكومي على قارعة الطريق.
الدكتور إياد عبد الفتاح النسور
Nsour_2005@yahoo.com