في عالم الفضائيات اليوم أضحت القنوات يمتلكها و ينشئها أشخاص و أفراد لا يمتلكون من الرصيد الإعلامي أو الثقافي أو حتى المالي الشيء الكثير، فهذه لطبيب و أخرى لنائب و ثالثة لعرّاف و رابعة لمطرب و خامسة لصاحب مسرح عرائس وسادسة لتاجر سيارات مستعملة وسابعة لناد رياضي وثامنة .. وتاسعة.. وعاشرة ..
وسط هذا الزخم الفارغ ومن بين هذا الزحام الأجوف يقف أكبر تيار سياسي واجتماعي في الوطن وصاحب مشروع نهضة حضارية لها امتداداتها الفكرية على مستوى العالم دون أدوات إعلامية فعالة تجسر التواصل بينه وبين جمهوره الكبير في الأردن.
ربما تتواجد على الساحة الإعلامية الأردنية صحيفة ما أو مواقع إلكترونية محسوبة على الحركة الإسلامية، ولكن خلو هذه الساحة من قناة فضائية أو حتى إذاعة محلية تتبنى الخطاب السياسي للحركة يقلص إلى حد كبير هامش التأثير المباشر والفعّال في الشارع.
لقد فقدت الحركة الإسلامية منابرها المسجدية بسيطرة الأجهزة الأمنية على جميع مفاصل القرار الإداري والتنفيذي في وزارة الأوقاف، كما فقدت نوافذها الخيرية والاجتماعية من خلال إحكام القبضة الأمنية أيضا على جمعية المركز الإسلامي الخيرية التي تتجاوز موجوداتها ومراكزها ومؤسساتها وأرصدتها ومشروعاتها المليار دينار أردني.
ومن خلال الصوت الواحد في الانتخابات النيابية إضافة إلى التزوير الفاضح لإرادة الناخبين، وكذلك نشاط المكاتب الأمنية في الجامعات الأردنية الذي لم يتوقف حتى هذه اللحظة رغم التوجيهات الملكية السامية فقد اكتملت الحلقة وأغلقت سبل التواصل الفعال بين الحركة الإسلامية والجمهور الأردني.
لذا فإن وسائل الإعلام والتواصل على اختلافها هي المنفذ الأهم الذي ينبغي على الحركة الإسلامية أن لا تدخر فيه جهدا إداريا أو ماليا وأن تمنحه الأولوية القصوى خصوصا في هذه المرحلة.
نعم.. في هذه المرحلة بالذات لعبت وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي والقنوات الفضائية دور البطولة في كل ملاحم الثورات العربية في تونس ومصر وليبيا واليمن والبحرين وسوريا، وهي تلعب اليوم دورا محوريا فاعلا في مسيرة الحراك السياسي التي يشهدها الأردن منذ أسابيع وتنمو كرة ثلجها بوتيرة متسارعة، مع الإشارة إلى أن المواقع الإخبارية الإلكترونية قد احتلت الصدارة بين وسائل الإعلام الأخرى، ما بين إعلام رسمي هزيل وقنوات فضائية وإذاعية محلية أكثر هزالة وضعفا.
مساحة كبيرة من الجمهور الأردني تطالع المواقع الإلكترونية من الشباب والطلاب والموظفين والمهنيين، ولكن مساحة أخرى لا يستهان بها تستقي تواصلها السياسي والفكري من القنوات التلفزيونية والفضائية في الأمسيات المنزلية والتجمعات الأسرية، ومن الإذاعات المحلية خلال التنقل في وسائل النقل الخاصة والعامة.
كم سررت وأنا أطالع العديد من قيادات الحركة الإسلامية بعد نجاح ثورة الفيسبوك في تونس ومصر يفتتحون صفحات لهم على هذا الموقع الخطير، من أمثال الأستاذ حمزة منصور والسيد زكي بني ارشيد والمهندس علي أبوسكر والدكتور ارحيل غرايبة وغيرهم، وأتمنى بعد إدراكهم لأهمية هذه الوسيلة أن تكون محطتهم القادمة قناة فضائية للحركة الإسلامية في الأردن.
لو كان للإسلاميين فضائية لما ضاع الرصد التلفزيوني لمجريات الحراك الشعبي الأردني بين تقارير المعارك الدموية في ليبيا والصراع السياسي في مصر وهدير الشارع الثائر في اليمن، هذه التقارير التي تسيطر على مساحات البث الفضائي في القنوات الإخبارية العربية، ولا يتبقى للساحة الأردنية إلا ثوان معدودات نترقبها في قناة "الجزيرة" لا تلبث أن تنتهي وتتلاشى.
لو كان للإسلاميين فضائية لتغير كثير من مجريات الأحداث، ومالت كفّة الميزان بشكل أكبر لصالح الحركة الإصلاحية التي يقودها الإسلاميون، ولتسارعت وتيرة السعي نحو الإصلاح الحقيقي العاجل تحت ضغط الشارع والرأي العام الذي تصنعه وسائل الإعلام، وأهمها الفضائيات غير الرسمية.
لوكان للإسلاميين فضائية تبث المادة المصورة للشهيد خيري جميل وهو يعالج في خيمة الاعتصام على دوار الداخلية بعد ضربه بوحشية، هل كان وزير الداخلية يجرؤ على التأكيد مرات ومرات في مؤتمراته الصحفية أنه كان في المسيرة الأخرى؟!
لو كان للإسلاميين فضائية تبث الصور الحية لضحايا اعتصام الداخلية وكيف تم الاعتداء عليهم بنسبة (عشرة على واحد) بالهراوات والحجارة وكيف فتحت رؤوسهم وأهينت نساؤهم وسالت دماؤهم وهم يصرخون (سلمية .. سلمية)، هل كانت الرواية الرسمية وشبه الرسمية لتفعل فعلها في غسل الأدمغة واستثارة النوازع العنصرية لتقلب الحق باطلا والباطل حقا؟!
لو كان للإسلاميين فضائية تسجل للعالم احتفالات (المنتصرين) على أشلاء (المقموعين) بمشاركة رجال لأمن (الذين فضوا كل أشكال التجمهر)، هل كانت الحكومة لتجرؤ على إحالة (المجني عليهم) إلى المحاكمة بتهمة (مقاومة رجال الأمن) وتترك (الجناة) أحرارا بما اقترفت أيديهم؟!
لو كان للإسلاميين فضائية هل كانوا سينتظرون سنوات حتى يتكرم عليهم التلفزيون الأردني الرسمي باستضافة كريمة انتظروها طويلا؟!
لكان الحال غير هذا الحال.. لوكان للإسلاميين فضائية!
المهندس هشام عبد الفتاح الخريسات