عندما انحازت المهنية الإعلامية في تغطية قناة الجزيرة لنبض الشارع العربي في حرب غزة وفي الثورة المصرية والتونسية و الليبية و اليمنية فلعبت دورا أكبر من مجرد شاشة تعكس الصورة والصوت إلى تحريك الصورة وصناعة الحدث بما ينسجم مع غليان عروق الكرامة العربية كانت الجزيرة مطرقة القاضي التي فصلت بين المجرم والضحية ، قلنا شكراً جزيرة . وتوهمنا بأنه أخيرا هناك إعلام عربي مستقل وهناك قناة شعب لا نظام ، ورغم علمنا بأن مفهوم الاستقلالية الإعلامية نسبي لا يمكن تحقيقه مئة بالمئة إلا أنه عندما تتشابه مطالب الثورات بشعب يريد إسقاط نظام تتوقع بديهيا ذات المستوى العالي والمركز في تغطية الحدث على أقل تقدير ، أو ليس مطلب الشعب السوري " الله ، سوريا ، حرية وبس " يُعتبر الرأي الآخر !! ، والجزيرة العرّاب العربي الإعلامي الأول لتبني الرأي الآخر فلماذا تنصلت من أبوتها لنبض الشعب السوري الآن ؟ ، أين مكالمات شهود الأعيان من قلب الحدث أثناء مظاهرات سوريا وصوت الرصاص يخترق الزمان والمكان ليسكن في جوارح المشاهدين ؟ كما كانت مكالمات نوارة نجم وغيرها من ميدان التحرير وباقي ساحات الثورات العربية ، لقد كانت الجزيرة تتلهف للحصول على أي تسجيل فيديو على صفحتها " شارك " من أحداث المظاهرات العربية مثل فيديو دهس سيارات خاصة وأمنية للمتظاهرين المصريين أثناء الثورة وفيديو تسليط أنابيب المياه على المتظاهرين وهم يُصلّون على الجسر وكل هذا يُعتبر بالهين اليسير مقارنة بما نراه على شبكات التواصل الاجتماعي من فيديوهات عديدة لضرب وقتل واعتقال في الثورة السورية تنخلع الأفئدة لها بين صياح واستنجاد الحرائر السوريات ، وفي الوقت الذي تتفنن فيه قناة الجزيرة في مونتاج فواصل قوية للثورات العربية تهزّ وجدان الشارع العربي وتبقيه في حالة استذكار دائم للمشهد الثوري و أشهرها في تونس " هرمنا " و " بن علي هرب " التي أبكت الشيخ الغنوشي ، ناهيك عن فاصل ثورة ليبيا " حفرة ، حفرة " إلا أننا في سوريا نفتقد لفاصل واحد يخبرك بأن هناك في سوريا ثورة ودم ، وإذا تصفحت في موقع قناة الجزيرة صفحة تقارير مصورة للثورات العربية ستجد تقارير مصورة من كل بلدان الثورات وفي تقارير ثورة سوريا ستجد الفيديوهات هي : " تداعيات الإفراج عن المعارض السوري هيثم المالح ، وفيديو رفع الحجب عن الفيسبوك وتويتر واليوتيوب في سوريا " فهل هذه فيديوهات تنقل واقع الثورة السورية ؟ ، والغريب بل لا أدري إن كان الطريف المبكي ستجد تقرير بعنوان تقرير مصور عن ( ثورة الأردن ) فلا أدري هل تجمع بعض الشباب في مساحة محصورة يطالبون بالإصلاح لا إسقاط نظام تُعتبر ثورة تستحق تسليط الضوء عليها وتكبير حجمها ؟! واغتيال الأبرياء السوريين قنصا في شوارع درعا وجرّهم وهم جثث هامدة وضربهم بالهروات بعد قنصهم ، واقتحام المسجد العمري والأموي بشبيحة النظام السوري منتهكين حرمات الله جهارا لا يُعتبر ثورة ! فما تعريف الثورة في قاموس الجزيرة الإعلامي ؟ ، قد يُرجع العديد سبب سياسة قناة الجزيرة في نقل أحداث سوريا " لا أسمع ، لا أرى ، لا أتكلم " إلى طبيعة العلاقات السورية – القطرية وإذا افترضنا هذا السبب فالغريب ألا يرى القائمون على الجزيرة أن ضرورة الالتجاء إلى قبة المصداقية والمهنية في هذه الحالة أحوج ما يكون في غيرها فهنا تتكشف المواقف ، وحتى نقف أمام نقد موضوعي رافضين فيه اغتيال المكانة الإعلامية للجزيرة فالثورة السورية لم تنته بعد ولم يفلح النظام القمعي حتى الآن في وأدها وما زال أمام قناة الجزيرة فرصة لاسترجاع مكانتها السابقة في الانحياز إلى الشعب السوري ، إن لم يكن ذلك إكراما لتاريخ قناة الجزيرة العريق فعلى الأقل احتراما لدماء مراسليها الذين قضوا فقط لنقل نبض الشارع العربي و أناته ، فدماء شهداء الحقيقة يا قناة الجزيرة تستحق منكم أكثر من ذلك.
فدوى حلمي إبراهيم