سياسة ترحيل المشكلات هي الحل المفضل والعرف السائد عند مديري التربية في الزرقاء، فلا نكاد نلمس حلاً جذرياً لمشكلة، أو علاجاً فاعلاً ونهائياً لعلة، أو إجراءً وقائياً استباقياً لأي أمر غير مرغوب قد يحدث.
الأمثلة كثيرة، وما يتناقله المعنيون والمطلعون لا حصر له، ومن القليل الذي سمعت واطلعت، أذكر أمثلة:
تعاني بعض الأقسام من شغور رؤوساء الأقسام منذ سنوات دون أن يحرك مديري التربية ساكناً، ويكتفون بتكليف أحد الموظفين بمهمة رئيس القسم، مع ما في ذلك من مخالفة إدارية تستوجب المساءلة إن تجاوز التكليف المدة الزمنية المحددة. ومع أن الموظف المكلف يتحمل كل أعباء القسم، إلا إنه لا يتمتع بصلاحيات ومميزات رئيس القسم. ولا تفسير لولع مديري التربية بالتكليف وهروبهم من التعيين إلا لأنهم يفضلون موظفاً يبقى تحت رحمتهم، ينفذ ما يريدون، ولا يخالف لهم أمراً حفاظاً على منصب موعود. والتفسير الأرجح عند بعض المطلعين على الخفايا أن مديري التربية لا يملكون الجرأة للتعيين، لأن التعيين حسب الأصول الذي يراعي العدالة والشفافية أمر دونه خرط القتاد، وإن تم التعيين حسب الوساطات والتوصيات والتدخلات، فعش دبابير لا بد أن ينفتح، وزوبعة لا بد أن تثور. وهم (مش ناقصين)!
ومثل مشكلة رؤوساء الأقسام تماماً تأتي مشكلة تعيين مديري المدارس، حيث تعاني مدارس عديدة من شواغر منذ أكثر من سنة، مع ما يترتب على ذلك من خلل واضح في المدارس وعدم استقرار، وعيش في المجهول.
المدرسة مدير، هذه ما تؤكده التجارب والواقع الملموس، ولكن الإدارات العاجزة هي مقتل مديريات التربية في الزرقاء، ورغم علم ومعرفة مديري التربية بهذه الحقيقة الصارخة التي لا يختلف عليها اثنان، إلا إنهم يتجاهلون ذلك، ويقومون ببعض الإجراءات الترقيعية التي لا تجدي نفعاً ولا ترتق مزقاً، ولن يصلح العطار ما أفسد الدهر، وكل الترقيعات هي جهود ضائعة، وخسارات متراكمة، ورسم على الماء!
أما النقص الحاد في الأذنة والمراسلين فيبدو أن مديري التربية يدخرون التعيين لأمر في نفس يعقوب (للاسترضاء وللحبايب)، مع أن المدارس تستصرخ المديريات وترجوهم وتستعطفهم، وهم يعلمون –أعني مديري التربية- أن نقص الأذنة يعني مدارس غير نظيفة، وأعمال غير منجزة، ومدارس مهملة، وأقل وأول حجة لمديري المدارس عدم وجود أذنة!
نسبة لا بأس بها من مدارس الزرقاء هي مدارس مستأجرة منذ عقود طويلة، دون أن تفكر التربية ببناء مدرسة، ويبدو أن سياسة التنفيع هي التي تحكم هذه العملية المستشرية في الزرقاء، ومن الأمثلة الصارخة مدرسة هانئ بن مسعود المستأجرة منذ 1976 دون أن تفكر المديرية مجرد تفكير ببناء مدرسة، علماً أن إيجارها المتراكم من الممكن أن يبني عدة مدارس، وخاصة في ظل قانون المالكين والمستأجرين الجديد.
المدارس الألفية هي الصفة الغالبة على مدارس القصبة والرصيفة، مع أن أرض الله واسعة، ومنح الحكومات لا تتوقف. ولا اعتراض على العدد الكبير، ولكن وجب أن يرافقه مرافق كافية، وصفوف واسعة، وأن لا تهضم حقوق أحد. أما أن يكدس 60 طالباً في غرفة صفية مخصصة لـ30 طالباً، فهذه مأساة، بالإضافة إلى عدم توفر مرافق صحية كافية وساحات مناسبة، وغرف للمعلمين، ومشاغل، بل ونقص مقاعد، ويتوج كل ذلك إدارات (دق ع الخشب)!
سوء توزيع المدارس، من مشاكل الزرقاء التي لا نرى أية نية للتغلب عليها، فبينما توجد سبعة مدارس ثانوية متقاربة للذكور في أحياء الأمير محمد وحي معصوم وشبيب لا نجد أية مدرسة في أحياء الزرقاء الجديدة والبتراوي والمصفاة. وكذلك نجد في السخنة مدرستين أساسيتين في حي الصالحية، لا نجد أية مدرسة في ضاحية السخنة والقحويانة والحي الشرقي، مما يضطر الأطفال للمشي مسافات لا تقل عن 3 كيلو متر، أو استئجار باص صغير يرهق كاهل أسرهم المثقلة بالديون. وللأمانة فإن التربية تعلن منذ سنوات عن الحاجة إلى بناء مستأجر في منطقة القحويانة، فلا يتقدم أحد، فتغلق المديرية الملف، وكفى الله المؤمنين القتال، دون التفكير بحل جذري.
مدرسة الرياض في قضاء بيرين مدرسة مستأجرة من ثلاث غرف لست صفوف يدرس بها 75 طالباً على الأقل، ولا يوجد أي مسعى حقيقي لاستملاك الأرض بحجة وجود مشاكل عالقة مع ورثة الأرض. علماً أن المنطقة واسعة ويمكن استملاك قطعة أخرى في مكان آخر.
ولن نتحدث عن عدم وجود كهرباء في مدرسة العويلية، أو الغرف الصفية غير المناسبة في مدرسة حوض الصوان، أو مدارس بلا حواسيب رغم وجود حصص حاسوب، أو حواسيب بلا مقاعد، أو إدارات لا تداوم، أو معلمين مفرغين دون أي عمل، بل إنني سمعت –وليس كل ما يقال صحيحاً- أنه تم تعيين معلمة على حساب التعليم الإضافي بدل معلمة مفرغة مجازة!
إن مواجهة المشكلات ومحاولة حلها دليل قوة وإدارة ناجحة، وهي تكاد تكون عملة نادرة، وهنا تأتي مسؤولية الوزارة بالمتابعة والمراقبة والمساءلة الإدارية. أما الطبطبة وإخفاء المشكلات وإعطاء المسكنات فهي سياسة قاصرة عاجزة، قد تفجر مستقبلاً مشكلات أعقد، وتحدث أضراراًَ أشد، وتنتج كوارث تربوية لا تحمد عقباها!
استدراك: الوضع في المديريات الأخرى في المملكة ليس أحسن من الزرقاء، فالحال من بعضه!
mosa2x@yahoo.com