كوفيتي الحمراء ....!
حمزة عبدالمطلب المحيسن
في ربوة من روابي مدينتي الطفيلة الشامخة الأصيلة ، ذات يوم كنت مع
والدي وفي زحمة الإنشغال بسكون المكان وسحره ، فإذ به يربت على كتفي لكي
أنظر معه إلى بقعة غربية مطلة جميلة ، إستغرقت طويلا في النظر إليها
وفجأة إلتفت إلى عيون والدي وإذ بها شجية حزينة تسكب دموعا غزيرة هزت
خلجات نفسي ، يا آلهي كم كانت دموعه علي ثقيلة ، وحينما شعر بإلتفاتي
إليه صاح بي يخاطبني بصوته المتهدج مكفكفا دموعه المنهمرة بإطراف كوفيته
الحمراء بأهدابها الطويلة ، قائلا : ’’ يا وليدي لا تواخذني ، تراني
إذكرت جدك في أيام مضت وفي نفس هذا المكان وهو يقوللي يا وليدي أعاهدك
بالله أنك ما تنسى ربعك إللي هناك غربة ساكنين وإللي ما زالوا في الضيم
والحنث مبتلين ، يا وليدي هاذي الخليل إللي سكن فيها نبينا إبراهيم
والخليل يا بني من فلسطين وفلسطين فيها القدس أول قبلة للمسلمين وفيه ام
المصطفى نبينا محمد الأنبياء المرسلين ، مات جدك وعهده ما زال دين في
رقبتي فللآن يا وليدي ما زالت فلسطين سليبة ،، .
طال والدي في سرده يحدثني عن ماضي الأجداد الغابر وعن فروسية الأفداد
وأمجاد صاغوها بدماءهم الزكية دفاعا عن طهارة المكان ودودا عن حمى فلسطين
وأكنافها يناكفون الإنجليز وإنتدابه ، فربع الكفاف الحمر في ذاك الزمان
ومن الأردن بشماله وجنوبه كانوا على وعي بان الإنجليز وإنتدابه في فلسطين
ما هو إلا مدخلا لوطن يجمع اليهود بشتاته من مختلف أنحاء العالم فأمتطوا
الخيول الأصايل ما همهم حراساتهم وألغامهم بل زادهم ذلك إقبالا يعلوا
صوتهم صوت صهيل خيولهم صائحين : طاب الموت يا عرب ، الموت ولا الردية .
ولتستمر المسيرة من بعد الأجداد في مقارعة اليهود الذين أستحلوا فلسطين
بفعل الإنتداب وأذنابه فكانت لنا الكرامة ومضى فيها رجالا أفداد
بكوفياتهم الحمراء منهم حابس وهزاع ووصفي وبهجت المحيسن وسكبت فيها دماء
زكية من قبل ومن بعد للمعاني مصلح اليماني والكركي عبدالمجيد المجالي
والسلطي عبداللطيف عبدالمهدي عربيات والطفيلي فرج الحناقطة والربداوي حسن
قويدر البطاينة بل وحتى في سماءها أستشهد محلقا نسر من نسورنا أسمه فراس
العجلوني .
مضت الأيام وما زالت دماء الأردنين الأحرار وريحها الزكية يصاحب كل هبة
ريح غربية تداعب جبال وتلال الطفيلة ، وحتى لا أنسى فقد مررت على قبر
والدي فيها منذ أيام وقرات الفاتحة مطولا ومتذكرا تلك الأماسي التي
رافقتها فيها وما إن هممت بوداع قبره وبدون سابق أنذار هطلت دموعي منهمرة
تماما كتلك التي سالت على وجنتيه متذكرا وصيته التي عاهدني إياها بأن لا
أنسى فلسطين وأكنافها إلا أن تمالكت نفسي وكفكفت دموعي بكوفيتي الحمراء
صائحا بأعلى صوتي يا والدي سامحني فما زالت محتلة ودخيلة ....!