زاد الاردن الاخباري -
المحامي عبد الكريم الكيلاني - من الوجع الذي يشبهك ، لا بد ان نسرد القصة ، بكل تفاصيلها النازفة و الباسمة كما قال ابن الفقيد الذي رافق ابتسامتك حتى الساعة الاخيرة .
امضيت ثلاثة ايام بلياليها استرجع تسجيلات الراحل على ( يوتيوب ) اشاهد واتمتم في داخلي بكلمات للشاعر محمود درويش وهو (يئن )في قصيدته ،لا وقت للغد ، (امشي ، أهرول ، اركض ، اصعد ، اسير ، أطير ، اسمع ، اصرخ ، اسقط ، اعلو ، أدمى ، ويغمى علي)
هكذا كان حالي ....
حتى وقعت عيناي على مقال الرثاء لابن بلدتك الغالية ، صبري الربيحات.
يقول صبري في (جدل و غفران ،اسئلة عميقة عن الكون و الوجود و العمل و الحياة و العلاقات ) .
( سيرة يحي ....ليست حادثة عابرة.... فقد عاش حياة تتداخل أحداثها تتداخلا سرياليا ما كان ليفضي الا لما آلت اليه )
هكذا قال صبري ..
نهاية سريالية اذا و حدث جلل فوق الواقع !!!!
...
الموت المباغت وحده سؤال كبير ، ولكن مقال الربيحات يحرك مزيدا من الأسئلة الساكنة ، وهو يختمه بما لا يعرفه كثير من الناس عنك :
( ان يحيى كان على سرير الشفاء يوم حضرت الملكة علياء الى مستشفى الطفيلة كان طفلا حينها ، وقفت الملكة واطمأنت على ذلك الطفل وآخرين فشكرها والده ....ورحلت جلالتها في طريق العودة من الطفيلة... كما رحل يحيى )
اذا امام هذا الغياب المليء بالرمز هذا الغياب الذي اهتز وجدان القصر له ، ... لا يمكن ان تختزل الحكاية بكلمة (أوجعت قلوبنا ...)...ثم نقطة وسطر جديد !!!!!
الفقيد الأردني بِما له وما عليه ليس نجما يأفل،
فالحياة السياسية الاردنية حيوية بطبيعتها ، ليست تمثيلية ولا مسرح دمى متحركة .
اختلفت ام اتفقت ، لكن مسيرة الفقيد بحضوره و جمهوره حتى بلغت شهرته الآفاق لا يمكن ان تختزل بالجدل الدائر من يحل مكان المرشح المتوفى في القائمة ؟
ولذلك آلمني و انا استمع الحديث المبكر عن الوارث لمقعد الفقيد هذا الكلام مصيبة فوق الفقد .!!!!!!
بقيت اشاهد تسجيلات دون توقف ، مواقف و خطابات ومشاجرات.
اصحاب دولة ، وزراء وسفراء ولائم ودعوات ، مواطنين غلابة، وجماهير حاشدة ، صحافة اعلام و إعلاميين ، عمل خيري ،رياضة شباب ، مواقف ترضي البعض و تسخط آخرين .
لكن لم استطع ان أصحو من هول الصدمة التي أمسى الاْردن على دويها مساء الثالث من تشرين الثاني وها هو الاعلام يلوذ بصمت فجأة لولا مقابلة هنا او خبر هناك .
كأنك عرفت ان الاعلام سيلوذ بصمت يوم رحيلك فحشدت كل ما لديك من ذاكرة ، اذا اردتم يحي نجما افل، فلا اقل من مشاهد ة قصته في سنين مضت كما هو شان نجوم هذه المجرة في ملكوت الله الواسع .
شاهدت انفعالات لا تحصى ، وانت تثير العواصف امام اعتى الرجال بلا وجل ، فتصرع هذا و تغضب ذاك .
لكن اكثر ما شدني وقوفك عند رئاسة الوزراء ، تحتمل غضب المرضى الحانقين على الحكومة لحرمانهم من العلاج ، وجئت لتقول كتاب علاجكم يتم توقيعه الان ، لم يقنعهم حضورك و لا كلامك استمروا بالسخط فلم يسعك الا ان تقول (حقهم علينا ) و انسحبت بكل هدوء .
ذكرني هذا المشهد بالرئيس العراقي نوري السعيد يوم القت عليه امرأة غاضبة ما انتعلت فاخذ الحذاء وأعاده للسيدة و قال انت احوج اليه مني .
نوري السعيد كان رجلا سريع الغضب يرتجف امام غضبته أقوى رجال العراق كيف لا وهو رئيس وزرائها العتيد ، لكنه كان متسامحا مع الضعفاء .
يوم سئل الفقيد عن حادثة توقيفه الشهير قال :
( في هذه البلد لا تعرف متى ؟ ....و لا من ؟..... و لا لماذا صفعت،،،) مقابلة صحفية .
استغفر الله ،،، (لكل اجل كتاب ).
مشهد ابنك المصاب المفجوع ، يسنده ابناء عمومته ، صورة لن تغيب ، ولكن هكذا شاءت الاقدار في هذا الموقف الرهيب .
وبكلمات رثاء مبهمة اختار احدهم على طريقته ان يتكلم عن رفاق (ملم الغانمين) :
( كنّا نسهر ليل الاثنين ... وكان رجلا غريب الأطوار و الإيحاءات ، كأنه كان يقول شيئا لم نفهمه الا حين فجعنا برحيله ... قال لنا بحزن وتوتر انه غير مطمئن ..)
على كل حال الصور ليست سوى ظلال والكلمات البشرية لا تبوح الا بجزء يسير من حبر القدر الذي لا ينفد مداده .
الكل يجمع عليك ، انك كنت تختار خصومك ، فلا تدوس البسطاء و لا تهادن الجبابرة و الأقوياء .
و قد يخطئ المرء في التقدير في واحدة من معاركه التي يخوضها فيدوس احد البسطاء وهو يظنه من الجبابرة الأقوياء .
كنت كثيرا ما تردد اتمنى الشهادة ، على اسوار القدس ، يومها قال احد المذيعين مداعبًا ، اخي يحيى ان اردت الشهادة افعلها وحدك بالنسبة لي ( لسة بدري)
و حصل ما لم يكن بالحسبان وما لم يتوقعه ذلك الإعلامي ، و الحمد لله على كل حال فلا يحمد على مكروه سواه .
قبل ايّام من وفاتك نشر لي مقال في هذا الموقع عن عوالم الأردني الخفية و الأحدا ث التي لا تقبل التفسير المنطقي او العقلي ، في عالم السياسة و الاجتماع و الاقتصاد ، و لكنني غفلت عن اخطر العوالم (عالم البرزخ) .
والى ان تزول غيمة الانتخابات التي تشغل البعض ربما ،ننتظر ان تنال مسيرة الفقيد حقها ، فقد كان له تاريخ مليء بمواقف ، و تحالفات ، وأدبيات ، و تكتيكات و انسحابات و مقاربات سياسية و محطات كثيرة لا بد من الوقوف عليها مطولا .
اما بعد ،
فهل بحت بما في صدري او صدور بعضكم ، لست ادري ، لكن اليقين ان يحيى بات عند ربه الذي يعلم السر و اخفى.
والى عائلة الفقيد و ابنائه أغلى ما ادخر في هذه الرحلة القصيرة ، العوض بسلامتكم .