التيار السلفي التكفيري.. لمن لا يعرفه
كتب : د. هاني الشبول
بعكس جميع الأردنيين ، انا لم أتفاجأ ما قامت به الجماعة السلفية التكفيرية في مدينة الزرقاء الجمعة الماضية من هجوم إرهابي (في الشكل والمضمون) ضد رجال الأمن العام ومواطنين بالسلاح الأبيض غير مبالين في قتلهم أو إصابتهم إصابات قاتلة.
في البداية وللأمانة ، لا بد أن نشير إلى ضرورة التفريق بين السلفية كتيار ديني محافظ عُرف عبر التاريخ بدعوته إلى الرجوع إلى العقيدة الصافية وبتشبثه بمواقفه المناهضة للعنف والمتمسكة بشرعية الحاكم وعدم الخروج عنه – حتى وإن حصلت تجاوزات منه- مقابل التزام هذا الحاكم بالحفاظ على هوية الأمة وبين الجماعات التكفيرية المعاصرة ( التي تسمى أحيانا الجماعات السلفية الجهادية ) والتي ظهرت متزامنة مع بروز تيار الإسلام السياسي في العالم الإسلامي.
لم أتفاجأ لان هذا التيار (التكفيري أو السلفي الجهادي) يستقي أدبياته من رموز تنظيم القاعدة : بن لادن والظواهري والمقدسي وأبو قتادة وغيرهم وهي أدبيات تكفّر المجتمع والدولة وكل من لا ينتسب فكريا إلى تيارهم أو ينضوي إيديولوجيا تحت لوائهم ، والكافر في فكرهم حل قتلة. فهم يمجدون ابو مصعب الزرقاوي ويعتبرونه أمير الشهداء ، على الرغم من أن أبو مصعب قتل المئات من المسلمين الأبرياء.
والسلفية الجهادية تيار إيديولوجي ومشروع تحمله جماعات حركية مناهضة بشكل مطلق لما هو قائم من أنظمة اجتماعية وثقافية وسلطات سياسية وعلاقات دولية، كما أنها تجنـّد أفرادا ينتمون إلى قطاعات اجتماعية مختلفة، ( متغايرة في الغنى والتعليم) ، والقاسم المشترك بين هذه المكوِّنات، على اختلاف ملامحها ودوافعها، هو طبيعة الإيديولوجية السياسية الدينية التي تسوّغ لها أهدافها وأنشطتها، وهي إيديولوجية تتـسم بخاصية تقسيم البشرية على أساس ديني، إذ لا تكتفي بالتقسيم التقليدي للبشر إلى مسلمين وكفار، بل توسّع معنى الكُـفر أو الشّرك وتقدّم تعريفا ضيّقا للإسلام يؤدّي إلى إخراج الجزء الأكبر من المسلمين خارج الملة ، و تقدم في نفس الوقت الصيغة الأكثر جذرية لتسييس الدِّين، فتتعامل به كإيديولوجية صِـداميّة لا تقف عند هدف استعادة النظام السياسي الإسلامي في فضائه التاريخي المعروف، وإنما تتجاوزه إلى الجهاد ضدّ ما تسمّيه بالجاهلية الحديثة في كل مكان من الكرة الأرضية، والعمل على إقامة دولة خلافة عالمية، أي حكم الإسلام للعالم كافة.
وإذا ما تصفحنا أدَبيات أو خطابات الفصائل الجهادية الحالية، مشرقا ومغربا، فسنُـعاين بوضوح انزلاق التوظيف الإيديولوجي للموروث الدِّيني من الجِـهاد أو الصِّـراع ضدّ المحتل الأمريكي أو الصهيوني إلى الصِّراع الطائفي وتكفير الخصوم الداخليين والحطّ من شأنهم ونزع كل شرعية عنهم، مقابل تمجيد ذاتها وحقيقتها الخاصّة، فهي تضع مشروعها وأفعالها تحت مِـظلة الجهاد الدِّيني.
إنّ الجهاد هنا لا يتّـجه فقط إلى الخصم الخارجي بل يطال القسم الاكبر من المجتمع الأهلي ، بدءا بالحكّـام والقائمين على الدولة وموظفيها وأنصار الأنظمة القائمة، وصولا إلى القِـوى والأحزاب العاملة من أجل التقدّم والديمقراطية وإرساء الحريات السياسية والمدنية.
فكل هؤلاء يعامِـلهم التيار السلفي الجهادي ككُـفار أو مرتدِّين، بل يعتبرهم أخطر من القِـوى الخارجية المعتدية وأولى منها بالقتال.
فالجماعة الإسلامية المسلحة كانت عمدت إلى تكفير النظام والشعب الجزائري في مُـجمله معتبرتا إياهم مرتدين عن الإسلام وارتكبت مذابح في صفوف المدنيين.
وذا ما فتشنا في خطابات السلفية الجهادية نجدها لا تهتم بقضايا التنمية ومكافحة البطالة والفقر ونشر المعرفة والتكنولوجيا الحديثة ومسائل الديمقراطية الاجتماعية أو المشاركة السياسية والكفاح ضدّ الاستبداد والفساد. أما الحقوق السياسية والضمانات الدستورية وإرساء دولة القانون وحقوق الأقليات وحقوق المرأة وما إليها، فهي، بحكم مفهومه اللاّعقلاني لحكم الله وإلغائه لحرية البشر، مسائل باطلة ، بل مدّعاة للتكفير والوصم بالجاهلية الحديثة...
فبدلا من ان تكون الشريعة الإسلامية منظومة قِـيم تستلهمها مجتمعاتنا المسلمة وتسترشد بها في معالجة التحديات العديدة المفروضة عليها، يختزل الخطاب السلفي الجهادي كل القضايا إلى القضية الدينية ويوسّـع صلاحيات الشريعة لتبتلع كل القضايا الدنيوية، ويرمي منافسيه أو خصومه السياسيين والمفكرين بتُـهم الردّة والكُـفر ويتوعّـدهم بالقتال، فهذا الخطاب يرفض كل من يختلف مع رؤيته داخل العالم الإسلامي، كما يقود إلى مخاصمة باقي البشرية، متجاهلا ما نادى به الإسلام من الدعوة والإرشاد بالحكمة والموعظة الحسنة، وما يتحلى به من قِـيم التعايش والسماحة.
إنه لا يفعل أكثر من تغذية الحملات العدائية والمغرضة التي تقدم الإسلام كَـدِين يُـمجِـّد العنف ويقوم على الحرب ويفرّخ الإرهاب.
أردنيا : على الرغم من الجهود التي تبذلها الحكومة وأجهزتها الأمنية (بطريقتها ) للتصدي لتلك التيار المخيف ، الذي شاهدنا نموذجا بسيطا من أفعالة يوم الجمعة الماضي في الزرقاء، يتطلب الأمر مشاركة الجميع: الحكومة بمؤسساتها المختلفة، والشعب بمثقفيه وأحزابه السياسية ونقاباته المهنية ومؤسساته الإعلامية ، سواء اتفقت مع الدولة أم اختلف ، فالصمت يعتبر انحيازا لهذا التيار الإرهابي المخيف وتحفيزاً له لكي يستمر في النمو، لتخريب بلدنا وضرب مستقبله وإغراقه بالدم.
( الله يهديهم طريق الحق والصواب .. أمين )
00000000000000000000000000000000000000000