زاد الاردن الاخباري -
الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، رحل غير مأسوف عليه، ليعود الديمقراطيّون مجدّدا إلى البيت الأبيض، ويتولّون مهامّ إدارة الصراع مع المارد الصيني، والعبث المعتاد بالشرق الأوسط!
كثيرون في منطقتنا المنكوبة بالهيمنة الخارجيّة صفّقوا لرحيل أكثر الساسة عنصريّة وعنجهيّة في التاريخ الحديث.. وجاءت الانتخابات الأميركيّة لتطوي صفحة تاجر العقارات، وتكنس "الحزب العتيق GOP" من رأس هرم الإدارة الأميركيّة، فماذا بعد؟
بداية، الديمقراطيّون كانوا هم من يهيمن على الكونغرس الأميركي في حقبة ترامب المشؤومة، وقد لا تعني عودتهم إلى البيت الأبيض الشيء الكثير في نظام "فيتوقراط" كالنظام الأميركي، ولكن رغم هذا قد يتيح الغد القريب مساحة أوسع قليلا للمناورة، فيما يتعلّق بسياسة واشنطن الخارجيّة.
الأردن من مصلحته بلا شكّ الاستفادة من هذه المساحة، التي قد تكون متاحة، فيما يتعلّق بقضايا الشرق الأوسط، وفي مقدّمتها القضيّة الفلسطينيّة، ولكن لن يكون من الحكمة وضع كلّ البيض في سلّة بايدين.
ترامب، قبل رحيله هيّأ لـ "اسرائيل" كافّة الظروف المواتية للاستمرار في مشروعها التصفوي للقضيّة الفلسطينيّة، الذي يهدّد الأردن استراتيجيّا، واضعا بين يديّ نتنياهو كافّة مفاتيح التطبيع والهيمنة في المنطقة العربيّة، فهل ستغيّر سياسة بايدين جوهر هذه المعادلة.
منذ نشأة دولة الاحتلال لم يسجّل التاريخ أيّ تراجع لأيّة إدارة أميركيّة عن مكتسب لتل أبيب، فلماذا سيكون بايدين -الذي لا يخفي صهيونيّته حتّى عن وسائل الإعلام- استثناء لهذه المعادلة؟!
بالطبع، لا يتوقّع أحد أن يقوم بايدين مثلا بإعادة سفارة واشنطن إلى تلّ أبيب، أو سحب اعترافها بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال، أو حتّى القيام بأيّة خطوة إلى الوراء.. فهل من الحكمة الرهان على "العلاقة العضويّة" مع واشنطن، والاعتماد عليها في كلّ شيء؟!
كلّ ما يمكن للأردن الاستفادة منه في مرحلة المناورة القادمة هو تخفيف وطأة التغوّل الصهيوني لبعض الوقت، وتحسين شروط بعض القضايا التفصيليّة -أو بالأحرى الهامشيّة- المتعلّقة بما يسمّى بصفقة القرن.. وحتّى هذا الأمر لايزال يبدو بعيد المنال.. فما العمل؟!
أيّة مناورة مع واشنطن دون امتلاك المزيد من أوراق اللعبة لن تقود إلى أيّ مكان آخر غير الذي حدّدته إدارة ترامب.. لتحقيق بعض المكاسب لابدّ من موازنة المعادلة بالانفتاح أكثر على قوى إقليميّة ودوليّة لا تتماهى مصالحها مع اليانكيز بالمطلق.
الرهان على الصداقة الأردنيّة- الأميركيّة في هذه المرحلة تحديدا سيكون رهانا خاسرا ما لم يوازيه تطوير العلاقات مع القوى الإقليميّة الأكثر تأثيرا في المنطقة، وكذلك القوى الدوليّة التي قد لا ترغب في ترك ساحة الشرق الأوسط للإدارة الأميركيّة الجديدة وحدها.. فهل سنشهد زيارة رفيعة المستوى إلى بعض العواصم التي لا تعتبر "بيبي نتنياهو" مفتاح أحزابها الحاكمة؟!