لكنه لم ينفض على مشهد كنا نتمناه ، لم ينفض بصورة بهية كنا نريدها لتزيد من إشراقة الوطن في زمن القتامة ، كنا نأمل ومع تقدم السنين بأن نكون أكثر نضجا سياسيا وأكثر حكمة ودراية في التعامل مع حجم الحدث لا أكثر صبيانية واستهتارا ولا مسؤولية نتحملها كي يعلو الوطن .
تحمل الأردنيون وزر الحجر وضيق الزمن وآثروا على ذواتهم الإنصياع لكل ما تأمر به الدولة خوفا واهتماما لا ضعفا أو استكانة ، استكانوا في بيوتهم آمنين مع أسرهم وأبناءهم وذهبوا محملين بالآمال إلى صناديق الإقتراع التي انتظرت طوابيرهم المصفوفة بهندام منمق ، وكانت كل الإجراءات تسير بسلاسة وخطوات سليمة من حيث الإحتياطات الصحية والتنظيمية والأمنية كلها كانت فاعلة بشكل لافت كما شهد لها كل من شارك في هذا الحدث الوطني وهذا الإستحقاق الدستوري الذي يتعاقب كل أربع سنوات .
فرحنا بخلاص ذلك اليوم على سلام ودون أحداث تعكر صفو الأجواء ، وبتنا تلك الساعات آمنين انتظارا للنتائج وما أسفرت عنه أرقام الصناديق ومدخلاتها من أصوات وإرادة المقترعين ، لم يدر بخلدنا أن هناك مشهدا مغايرا سيكون حيث سيكسر الحظر المفروض وسيكون هناك حماسا وانفلات للمشاعر يشعل سماء الحالمين بإطلاق غير مسبوق ومحموم لحجم من الذخائر والعيارات النارية التي جعلت من سماءنا ليلة متوهجة بما لذ وطاب من أسلحة وعتاد .
نحن لسنا ضد الفرح والإبتهاج المنظم والمعقول فهذه سمة لنفوس البشر ، لكننا ضد الفوضى والتمرد واستعراض العضلات والإنفعالات المبالغ بها ، فدخول المجلس النيابي والظفر بمقعد هناك هو في عرف العارفين ثقل ومهمة صعبة لأنها ستمثل إرادة وطن وتركة ثقيلة تقع على عاتق من سيكونون تحت القبة من أجل التشريع وسن القوانين والدفاع عن حقوق المواطنين ومراقبة أداء الحكومات وحصر الفاسدين ،.
الظافر بالكرسي النيابي هو ليس كمن ظفر بلعبة كرة قدم أو كرة سلة نتيجتها تأخذنا نحو فرح مفرط وابتهاج غامر وكأنه نهاية المطاف الثمين.
الشخص المنتخب من قبل منطقته أو عشيرته أو حزبه أو مخيمه هو شخص أوكلت له أمانة تثقل الأعناق في مفهوم من يخشى على الوطن ومصلحة العباد ، هو موقع لا يعني كسر الإرادة أو لي ذراع أو كسب موقف ضد من نقف مغايرين لهم في مواقفهم أو توجهاتهم أو قناعاتهم ومن ثم نطلق هذا الفرح الزائف المبهرج الذي لا يمت لمعاني البهجة الحقيقية العاقلة التي نتوقعها عند وقوفنا أمام الحق وقول الكلمة وإشهار الموقف تحت قبة البرلمان دون احتساب لمصلحة أو احتساب لموقف انصياعا لرغبة من كان .
كنا نتمنى لو ختم المشهد بغير ذلك ، فنحن الإنتماء حتى النخاع دون منازع ، نكابر على جراحاتنا ونكظم غيظنا ولم نهن يوما أمام عظم الواقعات ، لكننا أحيانا نفقد السيطرة تحت وقع التحديات فتخرج ثلة غير مسؤولة موتورة المقاصد تعبث بتلك الصورة وذاك المكنون .
كنا نتمناها ليلة بطعم الأهازيج وحدو الشيوخ وزغاريد الجدات وتلويح النشميات لتكون ضمن ساحات العز بعد انتهاء الحظر ، لا شغبا واستهتارا واستعباط.
عشائرنا أصبحت مدنية حد الكفاية تفرز باقات من خيرة الأوفياء القادرين على حمل الرسالة دون تلويث وشعبنا الأصيل لم يطرز يوما سوى شماغ العز وبيارق الكرامة ولم يشعل سوى نارا لقهوة الضيف ونارا في ساحات الوغى حيث يكون صهيل الخيل ووقع حوافرها العتيق،.
فلنبق هاماتنا فوق السحب دون أن ننجر وراء عاطفة لا تمثلنا فكلنا بندقية وكلنا بارود وكلنا لباس عسكري وكلنا رجال أمن وقوات درك وأفراد دفاع مدني وكلنا أطباء وممرضين عندما يحتاجنا الوطن ويناديها لكن ليس في ساحات تكتنفها الفردية وتصرفات الصبيان .
عاش الوطن تحت ظل قيادة هاشمية تتوخى منا كل كبير وكل موقف أصيل وكل تهانينا لكل الناجحين علهم يكونوا على مستوى طموحاتنا وآمال الوطن الكبير .