يقطن في العاصمة السعودية الرياض منذ عدة سنوات، إنتهى الرجل من عمله كما إعتاد كل يوم في حوالي الساعة الخامسة مساءً، أخذ جهاز الحاسوب المحمول الخاص به ونزل من مكتبه ناويا العودة إلى منزله بأمان، كان الرجل يمشي على قدميه بشكل طبيعي متوجهاً نحو مركبته ليستقلها إلى منزله كالعادة، فجأة شعر الرجل بأن مركبة سريعة تتجه نحوه من الخلف!!
نظر الرجل خلفه ليشاهد ماذا يحصل، ليفاجئ بمركبة تتجه نحوه بأقصى سرعة يستقلها ثلاثة شباب متهورين، للحظة خطر في بال الرجل أن يكون من في المركبة هم زملاء له يرغبون في ممازحته، ولكن الرجل صعق عندما اخرج أحد هؤلاء "الشياطين" نصف جسمه من النافذة الخلفية وخطف الجهاز المحمول من يد الرجل بسرعة وحرفية فائقة !!!
حاول الرجل المقاومة والإحتفاظ بجهازه في يده، ولكن هؤلاء كانوا أسرع فخطفوا الجهاز بسرعة وأكملوا مسيرهم بسرعة جنونية لم تمكن الرجل حتى من إلتقاط أنفاسه !
الرجل لم يستوعب ماحصل للحظات، وحاول اللحاق بهم ماشياً، ثم بمركبته، ولكن .... دون جدوى للأسف !!!
ربما سيظن البعض بأن هذه القصة هي من نسج الخيال، أو من عالم لا نعيش فيه، أو لأحد الأشخاص الذين يعيشون في أماكن بعيدة عنا، لكن المفاجئة هي أن هذه القصة حصلت معي شخصياً يوم أمس تماماً كما ذكرتها بدون أي زيادة أو نقصان !!!
كان الأمر بمثابة الصاعقة بالنسبة لي، فالمكتب الذي أعمل به يوجد في أحد أرقى المناطق في العاصمة السعودية، كما أنني أعمل به منذ أكثر من 3 سنوات، لم أسمع خلالها عن تعرض أحد من الزملاء في هذه المنطقة لحدث مشابه !!
مادعاني حقيقة لكتابة وتوثيق ماجرى عدة أمور، أولها هو أنني كتبت قبل عدة أشهر مقالتي (شياطين في شوارع عمان)، وذلك عندما تعدت مجموعة "شيطانية" على أحد الرجال الذين نذروا حياتهم لجمع اموال الزكاة، ليسرقوا منه أموال الزكاة، ويعتدوا عليه في عاصمتنا الحبيبة عمان حتى فارق "الشيخ أبونزيه" الحياة بعدها متأثراً بجراحه التي تعرض لها رحمه الله.
أما الأمر الثاني هو أنني أتألم كثيراً حقيقة عندما أشاهد أمثال هؤلاء الشباب الذين ينتمون لأمتنا، أمة المحبة والسلام، أمة الأمن والأمان، يصلون إلى هذه الدرجة من التردي والإنحطاط في الأخلاق، ويصبح التعدي على حقوق الآخرين، وإنتهاك حرماتهم بالنسبة لهم من أبسط الأمور وأسهلها ... فوا أسفاه على أمثال هؤلاء الذين يعيشون بين ظهرانينا للأسف ..
ثم أنني كنت أنوي الكتابة عن الأحداث المؤسفة التي حصلت في مدينة الزرقاء يوم الجمعة الفائت، وكيف شاهدنا هؤلاء الذين يحملون السيوف والخناجر، ويمجدون من قتل أبنائنا وبناتنا قبل عدة سنوات، وإغتال فرحهم في تفجيرات هزت عاصمتنا الحبيبة عمان لأول مرة، وهزت قلوبنا معها بالخوف والرعب على أنفسنا وأهلينا، فهل بهذا أمرنا ديننا الإسلامي الحنيف !!
هل هذه هي الأخلاق التي تعلمناها من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أم أننا نسينا حبيبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف كان بعض الكافرين يجئ إليه وهو يصلي ويضع الفضلات على ظهره وهو ساجد وهو يصبر ويحتسب عند الله.
رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي غضب لعمه حمزة بن عبدالمطلب "سيد الشهداء" في معركة أحد، وتوعد الكافرين بأن يمثل بجثة سبعين رجلاً منهم إنتقاماً لتمثيل الكفار بجثته رضي الله عنه، لتنزل عليه السكينة والرحمة من الله عزوجل بالوحي حاملاً له الآيات التالية:
(أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجدلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين* وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين* وإصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون* إن الله مع الذين إتقوا والذين هم محسنون) سورة النحل الآيات 125-128.
ليقول الحبيب محمد سيد الأولين والآخرين عليه الصلاة والسلام عندها: بل نصبر ونحتسب، بل نصبر ونحتسب ..
واليوم نقتدي بك يا حبيبنا رسول الله، ونقول بل نصبر ونحتسب نحن أيضاً على كل أشكال الظلم وأنواعه، فبالفعل نحن في زمن أن تكون فيه مظلوماً خير لك ألف مرة أن تكون فيه ظالماً، ولقد سردت لكم الموقف الذي حدث معي لإعطاء صورة جديدة تثبت لنا بأن الظلم يمكن أن يتعرض له أي واحد بيننا وبصور مختلفة ومتعددة، ولكن حقيقة ما أصعب الظلم ...!!
والآن وبعد توصيل هذه الرسالة لعلها تحمل بعض العبرة للآخرين بأن يحتاط لنفسه من أمثال هؤلاء "الشياطين"، نقول حسبنا الله ونعم الوكيل في كل من يدعي إنتمائه لدين الإسلام ويتصرف بطريقة يسئ فيها لصورة أمتنا الإسلامية وهو لايدري كم أساء بتصرفه هذا لدينه ونفسه ووطنه وأهله.
فلنعمل على أن تكون الاخلاق التي أمرنا بها ديننا الإسلامي الحنيف دائماً في قلوبنا لنصل بمشيئة الله إلى مجتمع خال على الأقل من أمثال هؤلاء، ومن كل من يتعمد الإساءة لصورة ديننا الذي لم يأمرنا فيه خالقنا عزوجل إلا بأرقى الأخلاق وأجملها، دين خير المرسلين عليه الصلاة والسلام سيد الأخلاق، وأمير المحبة والأمان والسلام .