في البلدان البائسة، التي تنتمي إلى ما يسمى ـ عن وجه حق ـ بالعالم المتخلف، لا تؤخذ القوانين والأنظمة والقرارات على محمل الجد في كثير من الحالات، وفي أحسن الأحوال، لا يتم تفعيل بنودها إلا إذا كان ذلك يصب في خدمة مصالح أو أهواء أحد المتنفذين، الذين يزعمون تمثيل السلطة والدفاع عنها.
قبل أيام، يصدر المجلس التأديبي لنقابة الصحفيين قراراً بإيقاف كاتب صحفي عن الكتابة مدة ستة أشهر، وذلك على خلفية ثبوت إدانته بتهمة التشهير بسمعة نائب أردني سابق. حتى الآن، ليس هنالك ما هو مستغرب أو مستهجن في الخبر، فلكل نقابة الحق في أن تصدر العقوبات العادلة التي تضمن كبح جماح المسيئين الخارجين على قوانينها، ما داموا أعضاء فيها. أما المستغرب والمستهجن، فهو أن يعمد النقيب في تلك النقابة نفسها إلى خرق القرار الصادر عن المجلس التأديبي التابع لنقابته، حتى قبل أن يجف حبر القرار، أو تغرب شمس اليوم الذي ترأس فيه اجتماعاً لمجلس النقابة شهد المصادقة على قرار العقوبة!
يحاول المرء جاهداً أن يوظف كل مفردات المنطق العقلانية لتفسير ذلك الوضع فيخفق في تفسيره كل الإخفاق، فإذا كان النقيب الموقر ذاته لا يبدي كبير احترام للقرارات الصادرة عن اللجان العائدة لنقابته، فممن نتوقع أن يأتي احترامها إذن؟ وإذا كان المجلس التأديبي الذي أصدر القرار لا يتمتع بالصلاحيات والسلطات التي تكفل إلزام أعضاء النقابة على الأقل بالامتثال لأحكامه، فلماذا تم تشكيله وإضاعة وقت أعضائه من الأصل؟
قد نفهم أن يتعاطف النقيب مع الصحفي الموقوف عن الكتابة من باب الدفاع عن حرية التعبير، لكن حكم المجلس التأديبي ـ ما لم يتم الطعن في كفاءة أو نزاهة ذلك المجلس ـ يؤكد أن القضية ليست قضية حرية تعبير، وأنها تجاوزت ذلك إلى ما يدخل في باب الافتراء وتشويه السمعة والتشهير. وحتى وإن استحضرنا فرضية التعاطف، وبخاصة أن الصحفي المعني يكتب في الجريدة التي يترأس تحريرها النقيب نفسه، فإن التعاطف مهما بلغ حده لا يجوز أن يشكل سبباً يبرر الاستهتار بقوانين النقابة والاجتراء على كسرها.
ما لم يحرص القادة والزعماء والوزراء والمدراء وأهل الحل والعقد على الالتزام الصارم بالقوانين، فإن ذلك يعني إعطاء الضوء الأخضر للجميع للاستهانة بتلك القوانين والتطاول على خرقها. وإذا كانت رئاسة نقابة الصحفيين الكرام قد تكرمت بتسجيل مثل تلك السابقة الخطيرة دون أن يطرف لها جفن، فإن علينا أن نقرأ الفاتحة على روح نقابة الصحفيين!
د. خالد سليمان
sulimankhy@gmail.com