أطباء وزارة الصحة ولليوم السابع على التوالي يواصلون إضرابهم المفتوح والذي يتولون فيه علاج الحالات الطارئة فقط في المستشفيات الحكومية... وحتى الآن تقابل وزارة الصحة هذا الإضراب بالتغافل التام وكأن الأمر لا يعنيها.. بينما يقابل المواطنون هذا الأضراب بالانزعاج التام للتقصير في تقديم الخدمة العلاجية ، وهكذا تجدهم منقسمين بين مؤيد ومعارض لهذا الفعل...
( قصة ) أطباء وزارة الصحة وعدم إعطائهم حقوقهم ، قصة قديمة متجددة ، عمرها لا يقل عن عشرين عاماً. أخطأت فيها جميع الأطراف بما فيهم الوزارات المتعاقبة ونقابات الأطباء المتعاقبة وكذلك الأطباء أنفسهم ...ولنوضح في البداية أن الأطباء يطالبون بمساواتهم بالقطاعات العامة الأخرى مثل الجامعة الأردنية والقطاع الطبي في القوات المسلحة... والمساواة في قاموس أطباء الصحة تعني أمرين أساسين هما الرواتب وفرص التدريب والتعليم ، وليكون ذلك واضحا أكثر ، فإذا تخرج اثنين من الأطباء من نفس الجامعة ودخل أحدهما في نظام وزارة الصحة والآخر في مستشفيات الجامعات أو القوات المسلحة فسيكون فرق الراتب بينهما مرتفعا جدا من ناحية ومن ناحية أخرى ستتاح لطبيب القوات المسلحة أو الجامعات فرص التدريب المستمر بينما لا يتاح هذا الا نادراً في وزارة الصحة ولفترات محدودة جداً، وهذا يستتبع بالطبع محاولة معظم الأطباء الدخول في أحد هذين النظامين ، إلا أنه من الطبيعي أن قابلية استيعابهم ليس ممكناً في هذين القطاعين ولهذا يتوجهون – مرغمين - إلى قطاع الوزارة.
وربما ظن البعض أن هناك فرقاً بين هؤلاء الأطباء من جهة تعليمهم أو تدريبهم ، وهنا لا بد من إيضاح بعض الحقائق... النظام الطبي في الأردن يفرض حصول الطبيب الاختصاصي على شهادة البورد الأردني كأساس وحيد لممارسته لاختصاصه بغض النظر عن بلد منشأ الشهادة إن كانت من الصومال أو امريكا، فكلاهما أمام البورد الأردني واحد.. وقد أثبت البورد الأردني حتى الآن إحترامه أمام الشهادات العليا الأخرى وأوجد أساساً جيداً للتعامل مع الأطباء والآن وبعد ثلاثين عاماً لأولى دورات البورد الأردني في 2-1982 اكتسب البورد سمعته المتميزة أمام البوردات الأخرى. وهكذا فالشهادة تقريباً بين الأطباء واحدة أمام القانون... ولكن نظام الخدمة المدنية ولقصوره الواضح ولعدم تمييزه بين الموظف العامل والموظف الغير عامل أو بالأحرى قد يكافئ الموظف الكسول إذا كانت علاقته برؤسائه جيدة ، هذا النظام يزيد من سوء أوضاع الأطباء الذي لا يستطيع أن يميز بين الأطباء الذين تميزوا طوال سنوات دراستهم ثم قضوا ثلاث عشرة سنة أخرى في سبيل إنهائها وهم في دراسة وتحصيل يومي مجد ومجهد وبين أي مهنة أخرى لا يحتاج دارسها سوى رؤية كتبه أيام الامتحانات.. وهذا واقع يعرفه جميع طلاب الكليات ويعرفون الفرق بين طلبة كلية الطب أو غيرها من الكليات. والغريب أننا هنا نوازي بين الشهادات حسب عدد سنوات الدراسة !!!
لن نستطيع حل مشاكل أطباء وزارة الصحة بواسطة الحديث عن إنسانية المهنة ، فهذا الحديث لن يكون كافياً للاحتفاظ بأطباء وزارة الصحة ضمن كادرها. ويجب على الوزارة أن تعاملهم بأسلوب آخر يضمن تقديم العيش الكريم لهم وفي نفس الوقت تطلب منهم تقديم الخدمة الإنسانية الراقية لمرضاهم وتحاسبهم إذا أخطأوا أو قصروا ، هذا حتى تكون المعادلة صحيحة. أما المعادلة بواقعها الحالي فهي خطأ تتحمل الوزارة وزره من ناحية ويتحمل الأطباء خطأ وجودهم فيه.
وزارة الصحة وكافة الوزارات في الدولة لم تكن جادة في يوم من الأيام بوضع نظام خاص للأطباء. والأطباء وصلوا الآن إلى نقطة اتخاذ القرار، فإما يحصل هذا الآن أو لن يحصل أبداً.
د . معن سعيد