زاد الاردن الاخباري -
د.عدنان الطوباسي - تأخذك الحياه بمشاغلها اليومية ،وعواصفها الهوجاء وحقائقها المؤلمة وبريقها الاخاذ ،وعنفوانها الدائم.. تأخذك بكل سلبياتها وإيجابياتها ....القها ...وقلقها ....ليلها ونهارها ...صبحها ومسائها ....
وتمضي في ربوعها تشاهد كل يوم ما تشاهد من مظاهر ،وزخرف ،وابتهاج ...وعلى الجانب الاخر ...فقر والم ...وتدهور في الاحوال الاقتصادية والاجتماعية ....وبين هذا وذاك تظهر العاطفة ...ذلك الركن الوجداني في كل واحد منا ..تميل هنا ...او هناك ...تهتز ...وتتحرر ....وتهيم بما تشاهد ..من مواقف حياتية ...وارهاصات اجتماعية وضغوطات ...واشياء اخرى.
العاطفة استعداد نفسي كما يقول استاذ علم النفس الاكلينيكي مصطفى فهمي ،تنشأ عن تركيز مجموعة من الانفعالات حول موضوع معين ، لان هذا الموضوع في خبرة الشخص الماضية كان مثيرا لعدة ميول مختلفة ،ونتج عن تكرار هذه الاستثارة ان اصبح الفرد مستعدا للاستجابة الانفعالية (على نحو ما )له ، استجابة تختلف باختلاف الموقف الذي يوجد فيه .
فالعاطفة اذن هي عبارة عن اتجاه وجداني نحو موضوع بعينه ،مكتسب و بالخبرة والتعلم .والفرق كبير بين العاطفة والانفعال .فبينما يكون الانفعال تجربة عابرة ،إذا بالعاطفة نزعة مكتسبة تكونت بالتدريج بعد ان مرت خلال تجارب وجدانية واعمال عدة .
ان عناصر العاطفة ليست امورا جديدة اذ هي موجودة اصلا في نفس الفرد ,وانما تنتظم فيما بينها ،ثم تدخل في تركيب لم يكن موجودا من قبل .
ان هذه التراكيب او المجاميع الجديده تكسب الحياة الانفعالية المتقلبة قدرا من الانسجام ،وهي تتجمع من جديد في مجاميع اوسع .
وهذه بدورها حين تتجمع ثانيه في نظام واحد شامل متناسق ـتكون ما نسميه بالشخصية .وتعطي العواطف الثابته للحياة الوجدانيهة نظاما واتساقا نحو اهداف بالذات ،..والعاطفة قوية فهي كافية لتحديد نشاط الفرد واتجاهه في حياته ان العاطفه تتكون نتيجه لتجمع عده انفعالات حول موضوع معين -غير انه مما ينبغي ان نفطن اليه ان مجرد وجود هذه الانفعالات غير كاف لتكوين العاطفة ،ولكن لا بد الى جانب ذلك كما يرى الدكتور مصطفى فهمي ان توفر بعض العوامل التي من شأنها ان تساعد على تنظيم تلك الانفعالات في تركيبات جديدة تكون العواطف ومنها : التكرار لا يكفي لتحول الانفعال الى عاطفة ان يحدث مرة واحدة ،ولكن لابد لذلك من ان تتكرر مرات حدوثه حول الموضوع فالتكرار هو السبيل الوحيد لربط الانفعال به وتركيزه حوله الى جانب ما يثيره من انفعالات اخرى تدخل في تركيب العاطفة وذلك واضح في تكون عاطفة حب الام لابنها وعاطفة بغض الطفل المدرسة ،فان تكرار انفعال الحنو في الحالة الاولى في مواقف متنوعة ،وكذلك تكرار انفعال الخوف في الحالة الثانية يعتبران النواه التي تجمعت حولها الانفعالات الاخرى المكونة للعاطفة.
كما ان الايحاء والتقليد في تكوين العواطف الاجتماعية كالتدين والوطنية .فان امثال تلك العواطف انما تنشأ في احضان المجتمعات .فحينما يشب الفرد يجد قومه ،وقد سيطرت عليهم عاطفة دينية خاصة فيساق في تيارهم ،ويدين بما يدينون به ،ويقلدهم في كل مظهر من مظاهره ،ثم لايلبث ان يؤدى به إيحاءهم له ،وتقليده ،الى ان يصدر عنه ذلك تحت تأثير عاطفة خاصة ،لايقل صدقا ولا رقة عن عواطفهم .
وما يقال في التدين ،يمكن ان يقال في الوطنية .فالفرد في الامة التي تسودها تلك العاطفة يضم صوته الى اصوات مواطنيه ،هاتفا بعظمة بلاده وسيادتها ،واقفا في وجه اعدائها ساخطا على المتربصين بها ،وسرعان ما تتولد لديه نتيجة لهذا كله عاطفة نحو الوطن ،تحمله على بذل كل شيء في سبيله ،حتى روحه وحياته.
كما ان لعامل الاقتران : اثرا في تكوين عاطفة لدى شخص حول موضوع ذي صلة او شبه صلة بموضوع اخر سبق ان تكونت لدى هذا الشخص عاطفة مماثلة نحوه .فمثلا يفقد احد الناس والده الذي يحبه ويحترمه ،فاذا رأى رجلا يشترك مع والده في صفات معينة ،يثير ذلك فيه عاطفة الحب والاحترام نحو ذلك الرجل .وكذلك قد ينشأ عن بغض شخص للفقر او للتدهور الاخلاقي ان يكون عاطفة البغض شخص ما للحرب وميله الى السلم ان تنشأ لديه عاطفه نحو شعوب العالم ،تتمثل في حب الخير للناس جميعا .
وللعواطف اقسام كما يرى فهمي حيث تقسم العواطف بحسب موضوعها الذي تدور حوله ثلاثة اقسام : - عواطف تدور حول موضوعات مادية ،مثل عاطفة حب الام لابنها ،والاب لاولاده ،والقارئ لكتاب معين ، -عواطف تدورحول موضوعات الجماعات ،كعاطفة المرء نحو عائلته ،او حزبه او للمدرسة التي تربي فيها - عواطف تدور حول موضوعات مجردة ،كعاطفه الميل الى المثل العليا الاخلاقية :الامانة ،الصدق ،الكرم.
العاطفة تنير من حولك عوالم شتى ...واحيانا تذهب بك الى البعيد البعيد ...هي العاطفة التي تسكن عمق جوارحنا ...وتظلل بالمحبة اركان حياتنا ...لكن علينا ان نوازن في محطات حياتنا عواطفنا مع تفكيرنا حتى تمضي الحياه بعقلانية ورجاحة واتزان .