إعلم أخي أن َّ من لم يتعلم مما سبق ،سوف لا يـفتأ ُيدور كحمار الساقية ،فلا نقطة ً للبداية يعرفها،ولا خطا للنهاية يدركُهُ ، وسوف تدور رَحَاهُ على الـرَّحَى فتسمع ضجيجا ولا ترى طحنا ،لأنه لم يهيئ حَبَّا ً ليطحنهُ ،وإنما توهم أن َّفي دوران الرحى ما يشغله ، فإذا انتهى الضجيج قلب كفيه ليراهما صِفـْرا ،ولطالما صاح به الصائحون ولكن كان في أذنيه وَقـْرا .
واعلم أخي ان الإبتلاء يختلف عن جهد البلاء ، فالإبتلاء قد يجعلك تصر على دعوتك ،فإن وقعت في الابتلاء فهذا شأن صاحب الحق فإنه قد يبتلى ، وأما في جهد البلاء فإنك قد تبحث عن مخرج لمصيبتك،ولم يكن من نفع لصبرك من قبل على الخطأ وأنت تدرك أن النتيجة عكس ما تؤمله من اجتهادك ، فقد عمَدْتَ إلى عَيْن ٍ رَمْداءَ تداويها ،فوضعت القار فيها وأنت تعلم أن في ذلك عماها ،فلو تركتها رمداء لربما يـَسَََََّر الله لها من يداويها ، ولكن أنت عمدت الى علاجها وهي تدرك من النور بصيصا فأطفأتها ، إذ لا ينفع القار في شـِفاء العين أبدا مهما جادلت عنه، ومهما استدللت مكابرا على نجاحه لأن إجماع الخلائق أن ليس من خصائص القار أن يشفي من الرَّمدْ ،ولن تستطيع أن تستدرك بعد العمى باعتذار ، إلا ان تتعلل أنك قد كنت مجتهدا وفي هذا اعتذار هو أقبح من إخفاقك في العلاج الذي بادرت اليه مخالفا كل البشر ، وفي هذا يكون جَهْدُ البلاء فلا أنت وافقت الحق في العلاج ،ولا أنت فهمت اين أخطأت فأحسنت في الإعتذار ،ولا أنت وجدت من الناس نصيرا يجادل عنك إلا أن يكون تابعا ذليلا لك تضعه من الإهانة بحيث وضعت نفسك فلا تحصد عندئذ ٍ إلا الإهانة ،ولا تجرؤ بعد وجود التابع أن تتراجع فتزداد الإهانة ، وتزداد المهانة ، ويستمر العمى. .
واعلم أخي أن حصادك للفشل دليل على بذرك للمخالفة ،وأن من لم يعتذر عما سبق ، فلن يحسن فيما سيلحق ،وأن الحوادث لا تأتي بخير إن لم يكن الإجتهاد على نـّسَقْ، ولن يكون لك خصم قوي فتناجزه فيقدم لك رأسه على طبق ْ،إلا أن يكون طـُعْماً يأخذ بزمامك إلى النهر لتشرب فيرميك في النهر ليسير بك المد ُّإلى البحر العريض لتغرق ْ .
وأعلم أخي أن في السُنَّة َمن الخير ما يدلـُّكَ على جميل الفعال ،ويجنـِّبُكَ سوءَ المآل ، فلا تستحي أن تتبع السُّنَّة َ،ولا تخشى فى اتباعها من لائمٍ فإن السنة حق واللوم فيها باطل ، ولم يكن صاحب السُّنَّة ِصلى الله عليه وسلم إلا َّهاديا ومنذرا من عذاب الله وبشيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا .
واعلم أخي أن ما تحققه في الشدة من الخير ،لا يكون كالذي تحققه في اللـِّين ،فإن الشدة أسهل من اللين ،وكل الناس يحسنها ،بينما اللين يحتاج إلى صبر ٍطويل ،ولكن عواقبه لا تكون إلا خيرا ،بينما الشدة قد تأتي بما لم تحتسب له قدرا ،ولم تضرب له موعدا ،ولا تستطيع له دفعا ،
و أنه ليس في ديننا ما نخبئه فإن احسنا سألنا الله الثبات ،وإن أسأنا سألنا الله المغفرة .