زاد الاردن الاخباري -
محمد ابو عريضة - لم تكن طريق العودة مثل شقيقتها في الذهاب, فالصعود اولا يتناقض بشدة مع الانحدار الحاد, وقائد الحافلة التي اقلت رفاق الرحلة ثانيا بدى اكثر جدية واهتماما في صعود الجبل عنه في الهبوط, واخذ ينظر ذات اليمين وذات الشمال عند كل منعطف يواجهه, بينما كان وهو يهبط الى الوادي اكثر حماسا وانطلاقا, مع ان الهبوط الى الوادي - اي وادي - اكثر صعوبة من الصعود, ورفاق الرحلة ثالثا اخذهم الاجهاد وشحنة المتعة العميقة الى عوالم اخرى, فبعد رحلتهم الطويلة على الاقدام, هم يخوضون في ماء السيل الى ما فوق ركبهم, ذهب بعضهم في سبات عميق, فيما فضل بعضهم الآخر التحليق في افق مسدود, يتحسسون عضلات اطرافهم التي استبد بها التعب.
الرحلة الى وادي ابن حماد اكثر من شائقة, وفيها من التفاصيل الجديدة ما يغري على الخوض اكثر فيها, وسبر اغوارها خاصة ان الغموض الذي يكتنف المكان لجهة تكويناته الغريبة الجميلة, يدفع المرء الى تكرار التجربة, للاستيضاح عما انغلق عليه فهمه, فالمكان ساحر يسلب الالباب, يضمك السيق بعد ان تقفز من فوق الجسر الخشبي الى ماء السيل, لتنحدر مع الماء في وادٍ يضيق حينا, فتشعر بأن حوافه ستطبق عليك, ويتسع حينا اخر, فتشعر بأن حواف الوادي تأخذ قسطا من الراحة, كاستراحة محارب, فما بين الاتساع والضيق امتار قليلة جدا, وكلما توغلت اكثر بانحدارك مع الماء الى الغرب, كلما زادت تفاصيل المكان سحرا وغرائبية, فتخال الحجر يبكي هنا, فالماء المنحدر من اعلى الجبل, وجد له طريقا بين ثنايا طبقات الصخر, وانحدر الى الوادي حاملا معه لون التراب الاحمر الذي يفصل بين التكوينات الصخرية, وكأنه يبكي دموعا, ويتهيئ لك هناك ان قوى شريرة تاريخية قَدّتْ الفالق - السيق - بفجاجة, ولم يتسن لقوى الخير في الطبيعة تهذيب ما اقترفته قوى الشر, فتتراءى لك كتلة الصخر المعلقة بين حدي الفالق, وكأنها تستهدفك, وسرعان ما ستنقض عليك, مع انه مضى عليها هكذا من دون اي تغيير عشرات آلاف السنين.
الجمعية الملكية لحماية الطبيعة
الرحلة من تنظيم الجمعية الملكية لحماية الطبيعة, جاءت تحت عنوان الاطلاع على تجربة ريادية في بيئة بكر, وكدأبها دائما تسعى الجمعية للتواصل مع الاعلام, بوصفه وفقا لتعبيراتهم شريكا معهم في الترويج لمشاريعهم, ونشاطاتهم المتعددة في سياق عملهم الدؤوب على اشاعة وعي بيئي ايجابي تجاه الطبيعة المتنوعة في الاردن, والمشروع في وادي ابن حماد وفقا لاخصائي المراقبة والتقييم ليث المغربي يهدف لتأهيل الوادي عبر منظومة من الاجراءات والتدابير وفقا لمعايير دولية, بهدف المحافظة على بيئته الساحرة, وتحويله الى منطقة جذب للسياح, ووضعه على الخارطة السياحية العالمية, ما من شأنه ان يقدم خدمات جمة للاهالي في المنطقة بشكل خاص, ولمحافظة الكرك والاردن بشكل عام.
المشروع حسب المغربي واحد من ثمانية مواقع منتشرة في المملكة, تتطلع الجمعية لانجاز العمل فيها خلال السنوات الاربع المقبلة, والمناطق الثماني تم اختيارها استنادا لوثيقة اعدتها الجمعية تأسيسا على دراسات اعدت في اوقات سابقة, وقدمتها الى البنك الدولي, الذي اعتمدها واصدرها تحت يافطته, وتأمل الجمعية ان يشكل المشروع الكبير - اقصد مشروع المناطق الثماني - قفزة نوعية في مفهوم حماية الطبيعة والسياحة البيئية, خاصة انه -اي مشروع 8- ابتعد في نصفه عن الاسلوب النمطي الذي كانت الجمعية تتبعه في تأسيس المحميات, فمفهوم حماية الطبيعة, والمحميات الطبيعية وفقا للمغربي اخذ ينحو في العالم الى اكساب المناطق المحمية بعدا اجتماعيا وثقافيا محليا عبر ادماج المجتمعات المحلية في صياغة تفاصيل المحميات وادارتها, ليكون افرادها خير مدافعين عنها, لانها اصبحت جزءا من مكونهم الثقافي الاجتماعي, خلافا للمفهوم الذي ظل سائدا عبر محميات مثل الجزر المعزولة عن محيطها.
المشروع
المشروع الكبير ذو المناطق المحمية الثماني انقسم الى نصفين, اولهما اربع محميات بالطريقة التقليدية, وهي محمية اليرموك على نهر اليرموك, ومحمية غور فيفا, ومحمية جبل مسعوده جنوب البتراء, ويؤدي واديها - وادي جبل مسعودة - الى منطقة الريشة في وادي عربة, والرابعة محمية قطر في وادي عربه, واما القسم الثاني من المشروع فيتكون من اربع مناطق ذات اهمية بيئية, منها اثنتان مستقلتان, والاخريان مرتبطتان بمحميات, فالمنطقة ذات الاهمية البيئية غير المستقلة الاولى هي اليرموك وهي ملاصقة لمحمية اليرموك, والثانية رحمة وهي ملاصقة لمحمية جبل مسعوده, والمستقلتان هما حمرة ماعين, ووادي ابن حماد.
وادي ابن حماد وفقا لعضوي الهيئة الادارية لجمعية موظفي بلدية الكرك راكز الحباشنة ومحمد الجعافرة وهي الجهة المخولة الان بادارة الموقع يحتل مساحة واسعة من وجدان اهل الكرك, وسكان المنطقة على وجه الخصوص, وتحديدا اهالي قريتي راكين وبتير, فله من عمق التاريخ حصة, ومن ثقل الجغرافيا مساحة, ما يجعل مهمة جمعية موظفي بلدية الكرك التي عقدت اتفاقية مع وزارة السياحة لتدير حمامات الوادي المعدنية, مهمة ذات طبيعة خاصة, فالمكان واعد وفيه من المقومات الكثيرة لتجعل منه مقصدا للسياحة الداخلية بشكل خاص, فالسياح الاجانب يعرفونه, وغالبا ما تؤم المكان افواج سياحية من غير دولة اوروبية ومن دول الجوار.
المشروع يحتاج الى تمويل كبير لتحويل الوادي الى مرفق سياحي بما تحتاجه هذه المرافق من متطلبات, فالطريق التي تؤدي اليه لا زالت بدائية, ومنعطفاتها الحادة تشكل خطرا على الزوار, فمع ان رفاق الرحلة شاهدوا آليات تقوم بتوسيع الطريق, الا ان مقاولة التوسعة لا تشمل سوى 600 متر فقط من الطريق حسب المقاول, وبرغم ان الجمعية - جمعية موظفي بلدية الكرك - تقدمت لوزارة التخطيط حسب رئيسها خالد الضمور باقتراحات خاصة بتأهيل المكان, وطلبت مئة الف دينار, الا ان التخطيط قالت ان ما ورد في الاقتراحات يحتاج الى نصف مليون دينار للتنفيذ, وهذا المبلغ غير متوفر, ووزارة السياحة من جهة اخرى غائبة كليا عن المكان, وكذلك حال المؤسسات الرسمية في محافظة الكرك.
العرب اليوم