الدكتور: رشيد عبّاس - المفارقة الغريبة العجيبة أن العرب وإسرائيل وإيران أعطوا تلك المخاضات نفس التسمية في نفس الوقت وهو أسم «أحلام», والمتفحص لعيون أحلام يجدها عند العرب عسلية اللون مرتدة, وعند إسرائيل زرقاء اللون ممتدة, في حين أن عيونها عند إيران سوداء اللون قافزة, كانت أحلام تغيب في الأفق تارة وتجيء تارة أخرى, وأحلام عند العرب كل العرب محجّبة الوجه, وعند اسرائيل مجدّولة الشعر, وعند إيران معمّمة الكتفين, أحلام واكبت كل ثقافات المنطقة, فلا يمكن وصفها بالمتكسرة أو حتى بالمتمايلة الخطى، أحلام مشروع كبير عند طرف من الاطراف, ومصيبة عظمى عند الأطراف الأخرى, مع أنه لكل شعب أو أمة أحلامها التي تحلم بها, وتعمل كل ما في وسعها للوصول الى «أحلام»..ها مهما طال الزمن وبعُد.
أحلام مفردها حُلُم بمعنى ما يراه الشخص في نومه أو في يقظته, وأحلام مفردها حِلْم بمعنى الأناة والصبر, وأحلام اسم علم عربي الأصل مؤنث, يطلق على الأحلام بنات الليل, والأحلام تعني أيضا الأماني التي يطمح إليها الشخص ..أحلام عنيدة وتفعل ما تريد مهما كانت العواقب, قوية يُعتمد عليها في المواقف الصعبة, شخصية مسؤولة, تتحمل المصاعب, تحب الاطلاع على كل ما هو جديد, عندها طموح وتخطط للمستقبل, ومع كل ذلك تبقى تفاصيل أحلامنا متداخلة لا يوجد تفسير لها ويصعب الربط فيما بينها, كيف لا ونقرأ في سورة يوسف (قَالُوا أَضغاث أحلام وما نحن بتأْويل الْأَحلام بعالمين), وفي سورة الأنبياء (بل قالوا أَضغاث أَحلامٍ بل افتراه بل هو شاعرٌ فليأتنا بآيةٍ كما أُرسل الاوَّلونَ), وفي سورة الطور (أَم تأْمرهم أَحلامهم بهذا أَم هم قوم طاغون).
أحلام عند الإنجليزي تعني مجموعة الأحداث والصور المتتابعة في ذهن النائم وتزول عند الاستيقاظ, وعند التركي تعني الخيال الخصب الواسع, وعند الياباني تعني ما يصعُب تحقيقه لدرجة الاستحالة, وعند اليوناني تعني الجوهرة النادرة, وعند الدنماركي تعني ما يراه الشخص في المنام,..وعند العرب للأسف الشديد أحلام تعني تغيير الحقائق والوقائع وتحريفها عينك عينك.
أحلام العرب عسلية العيون تسعى لتحقيق (الوحدة العربية), فالوحدة العربية هي طرح سياسي يراود كثيرين من العرب على اختلاف مشاربهم السياسية ومعتقداتهم ومذاهبهم, وتقوم الفكرة على أساس دمج بعض أو جميع الأقطار العربية في إطار سياسي واقتصادي واحد يزيل الحدود بين الدول العربية وينشئ دولة قوية اقتصاديًا وبشريًا وعسكريا,..واليوم أحلام العرب تُغتصب نهارا جهارا.
وأحلام إسرائيل زرقاء العيون تسعى لتصبح حدودها (من النيل إلى الفرات), حُلم يبدأ من النيل وينتهي بالفرات والذي يدعى إسرائيل الكبرى أو أرض إسرائيل الكاملة, وهي عبارة تشير لحدود إسرائيل حسب التفسير اليهودي لكتابهم المقدس كما في اسفار التكوين لديهم, حيث يذكر عهد الله مع إبراهيم: في ذلك اليوم عقد الله ميثاقا مع ابرام قائلا: (سأعطي نسلك هذه الارض من وادي العريش إلى النهر الكبير، نهر الفرات).. واليوم أحلام إسرائيل تبحث عن قارب صحراوي.
بينما أحلام إيران سوداء العيون تسعى لإعادة (الإمبراطورية الفارسية) بنسختها الإسلامية لمنطقة الشرق الاوسط, حيث أن هذه الإمبراطورية كانت تمتد من بحر إيجة في الغرب إلى حدود الهند في الشرق, ومن جنوب مصر إلى البحر وجبال القوقاز في الشمال.. واليوم أحلام إيران باتت مخاض وهمي دون ولادة.
اليوم أحلام بوجهها الجديدة تسافر عبر القارات والمحيطات لتخلع عن وجهها القديم ثوب اللقاء وأن كان فيه شيء من الحشمة والامتناع, لتلبس من جديد ثوب الذكاء الاصطناعي.. ولتعذرني أحلام هنا, فالكل دون استثناء يبحث عن تلك الوجه, أقصد وجه أحلام المشوّه.. وسأبحث كغيري في قصيدة رباعية الخيام عن وجه (أحلام) باستخدام الذكاء الاصطناعي أيضا, وذلك من خلال التحكم به عن بعد, وعبر الأقمار الاصطناعية والإنترنت, وبكاميرا متطورة, فربما يكون هذا الوجه قد أختفى من أمامنا, كيف لا.. وليس في طبع الليالي الأمان.
وبعد,
أحلام الوحدة العربية, وأحلام النيل والفرات, وأحلام الإمبراطورية الفارسية, جميعها (أَضغاث أَحلامٍ) ليس لها تفسير, فكل هذه الأحلام مجموعة من التفاصيل المتداخلة التي يراها الإنسان في الليل ولا يجد لها تفسيراً منطقياً في النهار, وغالباً ما تكون نتيجة للأحداث اليومية المتداخلة التي نعيشها، أي إنها عبارة عن أحلام متداخلة ولا يوجد تفسير لها, وذلك نتيجة لكثرة الأحداث الموجودة بها أو صعوبة الربط فيما بينها,
.. والله المستعان.