أول وكالة اخبارية خاصة انطلقت في الأردن

تواصل بلا حدود

أخر الأخبار
إقرار نظام الصُّندوق الهندسي للتَّدريب لسنة 2024 الموافقة على مذكرتي تفاهم بين السياحة الأردنية وأثيوبيَّا وأذربيجان وزير الدفاع الإسرائيلي لنظيره الأميركي: سنواصل التحرك بحزم ضد حزب الله تعديل أسس حفر الآبار الجوفيّة المالحة في وادي الأردن اختتام منافسات الجولة السابعة من دوري الدرجة الأولى للسيدات لكرة القدم ما هي تفاصيل قرار إعفاء السيارات الكهربائية بنسبة 50% من الضريبة الخاصة؟ "غرب آسيا لكرة القدم" و"الجيل المبهر " توقعان اتفاقية تفاهم عجلون: استكمال خطط التعامل مع الظروف الجوية خلال الشتاء "الأغذية العالمي" يؤكد حاجته لتمويل بقيمة 16.9 مليار دولار مستوطنون يعتدون على فلسطينيين جنوب الخليل أمانة عمان تعلن حالة الطوارئ المتوسطة اعتبارا من صباح غد أبو صعيليك : انتقل دور (الخدمة العامة) من التعيين إلى الرقابة أكسيوس: ترمب فوجئ بوجود أسرى إسرائيليين أحياء ملامح إدارة ترامب الجديدة في البيت الأبيض البستنجي: قرار إعفاء السيارات الكهربائية حل جزء من مشكلة المركبات العالقة في المنطقة الحرة ارتفاع الشهداء الصحفيين في غزة إلى 189 بالتفاصيل .. اهم قرارات مجلس الوزراء في جلسته المنعقدة اليوم الصحة اللبنانية: 24 شهيدا في غارات على البقاع الأردن .. السماح للمستثمرين في مشاريع البترول بتقديم عروض دون مذكرات تفاهم كولومبيا والنرويج يلتزمان باعتقال نتنياهو

البَبجيّـــون

15-12-2020 01:23 AM

مَرَّ رجلٌ على صبيةٍ ثلاثة لاهـين منشغلين ، لا تَسمعُ غيرَ طَرقَ جِدالهم وضحكاتهم ، وأصابعهم التي تُلاعبُ جهازاً صغيراً بحجم الكف ، فسألهم: مَنْ تكونون أيُّها الصبية؟! ومَنْ أي الدِّيارِ والمِللِ أنتم؟ فردَّ أوسَطُهم قائلاً : نحنُ البَبجيون يا أخا العَرب ؛ فمَنْ تكون أنت أيُّها الرجل؟
فيجيبهم الرَّجل باندهاش : البَبجيون! ما سَمعتُ يوماً عن قبيلةٍ من قبائلِ الأرض بهذا الاسم ، وما قرأتُ في أشعارِ العَربِ عنها ؛ وما أنْ التقطَ أنفاسَهُ التي تزفُرُ كالنَّارِ واستراح ، حتَّى سألهم : أأجِـدُ عندكم قَطرةَ ماءٍ أسُدُّ بها ظمأي؟ فقد أنهكَني المسيرُ واختلفَ عليَّ الوقت والمَسرى.
شربَ الماء ، والصبية لا يزالُون في عالمهم الافتراضي البعيد ، تتعالى ضحكاتهم تارةً ويُساورهم الهدوء تارةً أخرى ، ثم ما تلبث صراخاتهم تشقُّ أجواءَ سكينتهم ؛ يرقُدون على مفارشهم لكنَّهم ليسوا نيام ، وينادون الجُنودَ المُقاتلين "اضرُب .. اضرُب" لكنَّهم ليسوا في يقظة ؛ وحينَ يتألقُ أحدهم صارخاً "لقد قتلتهم جميعاً" ، ينتابُ الرَّجلُ شعوراً أنَّه أخطأ المُقام ، وأنَّ هؤلاء الصبية في معركةٍ داميةٍ ، وحامية الوطيس ، وأنَّهُ جاءَ إلى الموتِ بقدميه ، ممّا دعاه للتفكيرِ بالهُروب خشيةً على روحه.
ما يدورُ في خَلَدِ الرَّجل ، أنَّ هؤلاء إمّا مناضلونَ على جبهات القتال ، يحشدون قُواهم وجنودهم وأسلحتهم ، ويستميتون للدِّفاع عن مستقبلهم وأحلامهم ، وإمَّا أنَّهم فتيـةٌ آمنوا بدَحرِ ما عَلِقَ في أدمغتهم وعقولهم من بقايا تراثٍ وعاداتٍ وقيمٍ ، اعتقدوا أنَّها مِن مخلَّفاتِ الماضي العقيمة ، تمنعهم من التَّلذّذِ والمتعة التي حُرِمَ منها آباؤهم وأجدادهم ؛ فراحوا يهربون من هذا الواقع المرير ، وينتفضون على الاحتلالِ الفكري القيمي الذي يُطاردهم أنّا توجَّهوا.
التفت أحدُ الصبية – على عجلٍ – فلمَحَ الرَّجلَ يطغى على وجهه الحُزن ، ويغشى هامته العريضة البؤسُ واليأس ، فبادرهُ بابتسامةٍ بريئةٍ قائلاً : لَمْ تُخبرنا بعدُ يا عَم ، مَن أنت؟
الرَّجلُ : لا بأس ، ولكن عليكم أنْ تعلموا جيداً ، أنَّني جئتُ لأمرٍ مَهول ، ولمْ أكن عابراً بكم مًصادفةً ، فقد بلَغَني أنَّ جيشاً من المراهقين في هذا الزَّمان ، قد خرجوا عن جلدَتهم وفطرتهم وثقافتهم ومبادئ دينهم ، وانصرفوا لاهثين وراء السَّراب المظلِّل.
الصبي: ما بهم يا عمْ؟ إنْ كانوا آذوكَ ، فلسَوفَ نقفنَّ لهم كُلَّ طريق ، ونحطِّمهم تحطيماً ، ونقتلعَهم من جذورهم ؛ فلا عليك فإنَّ أعواننا كُثرٌ جداً ، يبتلعون ... وو
الرَّجلُ : (يُقاطعه باستهجانٍ وحُرقة) مهلاً مهلاً ، على رِسلِكَ يا بُني ، دعني أكمل حديثي ؛ (ويواصلُ الرَّجلُ) هؤلاء لَنْ يَطالوني بسوء أبداً ، فأنا موجود بهم وبدونهم ، لكنَّهم يؤذون أنفسهم من حيثِ لا يعلمون ، ويُوغلون في شرخِ إنسانيتهم وتشريحها ، وهم ينسفون أوقاتهم وجهدهم وتفكيرهم في غيرِ ما سُخِّر له ، ليأتوني يوماً كالصحراء الجرداء ، مغتسلين من كُلِّ شيء.
في هذه الأثناء والصَّبي يستغرقُ بالاستماع إلى هذا الرجل ؛ يدعو أصحابه : تعالوا هنا تعالوا ، إنَّه يقولُ كلاماً لم أسمعه قط ، (فيأتي الصبية ليجلسوا بقُرب الرجل).
الرَّجلُ : لا تستغربوا ، فإنَّ الحياةَ لوحةٌ مزركشةٌ ، فإمَّا أن تكونون أنتم ربيعها ، وموسمُ خيرها المُنتَظر ، وإمَّا أنْ تكونوا فصلاً تتساقطُ فيه آخرُ أوراق التُّوت ؛ أولئكَ الشُّبان والشَّابات أدمنوا اللهو واللعب ، فتَفتَّحت لهم أزهاره ، ونضجت في بيوتِ أهلهم غرائزه ؛ حتى كاد أحدهم يُخاصم والديه ، ويستقوي عليهما ببراءةٍ ودهاء ، لا تختلفُ كثيراً عن طبائع النصَّابين والماكرين ، وربما يُمارس الضَّغط عليهم بالانقطاع عن الطعام والكلام ، في سبيل ممارسة هذه الألعاب ، التي أدمنوها في الصباح والمساء ؛ ولكم أن تتخيَّلوا هؤلاء عندما يصلُ بهم المَطافُ إلى استنساخ كُلِّ مظاهر العنف والقتلِ والتدمير وسفك الدِّماء ، كيف سيكونُ سُلوكهم في المجتمع بعد حين ؛ أليسوا هُمُ معاول الهدم والتخريب والانحراف والإرهاب القادم؟ الذي يُطبَخُ على نارٍ هادئة قوامها الظاهرُ اللعبُ ، وباطنها الخُبث ، ليكوِّنَ مع الأيام جيلاً مُتطَرِّفاً في حياةٍ أخرى ، لا تحكمه مُثُلٌ غير التَّمرد على الأخلاق والقيم ، ولا يعرفُ سوى لغة الدَّم ، وتنمية الجانب الشِّرير لديه.
أكبَرُ الصبية : ولكنَّ هؤلاء الذين تتكلم عنهم يلعبُون ويتمتعون دون مساسٍ بأحد ، فلا يخرجون للشَّوارع ليعرضوا حياتهم للخطرِ ، ولا يُرافقون أصحاباً من ذوي الخُلُقِ السيء ، ولا يسرقون ولا ينهبون مالَ الغير ؛ وأهلهم بالتأكيد يريدون لهم هذا السلوك الخيِّر.
الرَّجلُ : أحسنت يا بُني ، هنا تكمُن خطورة هذه اللعبة (بَبجي) وغيرها ، فهُم كما قُلت معزولون عن العالم الواقعي ، ويعيشون في عالمٍ آخر كوَّنته لهم هذه الألعاب ، لا للتسلية فحسب ، بل لبناء ثقافة جديدة تقوم على الانطواء ، والجلوس أمام شاشات الكمبيوتر والهاتف ، والانطواء والانعزال خطيران جداً يا أبنائي ، فهما تهيئةٌ للفرد للعيش في عالمه الخاص ، حتى إذا ما طلع على المجتمع ، طبَّقَ ما كان في عُزلته ليثبت ثقته بنفسه ؛ فأنتم مثلاً تهدرون مساحةً شاسعةً من وقتكم على الألعاب المؤذية ، التي تسري فيكم كالسُّم ، وإن بدَت لكم نوعاً من الترفيه ، ولا تؤذون أحد لكنَّكم تؤذون أنفسكم ، وتحملونها على السلوك العدواني العنيف ، ولا تسرقون أحداً لكنَّكم تسرقون طاقاتكم وقدراتكم ، لتستغلونها في المساهمة في التَّرويج لهذه الألعاب ؛ أليسَ قتلُ النَّفس ، وهدرُ الوقت حرام؟!!
وبينما الصبية يُطالعون وجوه بعضهم بقلق ، وقد ساد الوجوم على المكان ، وهم يُتمتمون بينهم ، فيقول أحدهم : لماذا إذاً تُعطيني أمي هاتفها طيلة الوقت ، ولا تمنعُه عني؟! ويقولُ آخر ساخراً : نقتلُ أنفسنا! يبدو أنَّ الرَّجلَ ذو عقلٍ مُتحجر ، ويقولُ ثالثهم (وقد راح في موجةٍ من البكاء الشَّديد) : الآن أدركت سببَ طلاق والديَّ ، لأنَّ أبي كان شديد التَّعلُّق بهذه اللعبة ، وكانا هو وأمي في خِصامٍ دائم.
الرَّجلُ : (يملأه الحزن والتحسَّر ممّا سمع من هؤلاء الصبية) : هُنا موضعُ الخلل رعاكم الله ، المجتمعُ الصَّغيرُ المحيط بكم كالأسرة مثلاً ، التي هي اللبنةُ الأولى للتربية ، والواجبُ عليها كبيرٌ جداً في التماشي مع مُستجدات العصر ، لكن بما لا يُوقعُ الضَّرر عليكم ، ولا على أي فردٍ فيها ؛ فهل يدركُ الآباءُ والأمهات ما ترمي إليه هذه اللعبة؟! وهل هُم جادّون في مُراقبة ومتابعة أبنائهم؟! أم ينتظرون حتى يقع الخلل ويستعصي علاجه؟! لا ، وتزدادُ المصيبة عندما تجد بعض الكبار مُدمنون على ممارسة هذه اللعبة ، إذاً فكيف يكون حال الصِّغار؟! فالخللُ ليس في التكنولوجيا كما يقولُ البعض ، فأنا مثلاً لا أرى في التكنولوجيا ما يُخيفُ سوى طريقة التعاطي معها ..
الصبية الثلاثة معاً : ومَن أنت؟! بربِّكَ أخبرنا ، فقد بصَّرتنا على طريقنا هذا ، الذي لا يسلكهُ إلا هالك.
الرَّجلُ : أنا الزَّمــنُ القادمُ يا أبنائي ، جئتُ إليكم برسالتي هذه ، فإنْ أردتم - أنتم ومَن هُم في هذا الشَرك المتشابك – فخذوها ، وإنْ عزمتم على المضي في طريقكم هذا ، فاعلموا أنكم ستأتون إليَّ ممتلئين بالكثير وينقصكم الكثير الكثير ؛ واعلموا أنّي لن أخسرَ شيئاً حينها أغلى من فلذات أكبادِ زمنكم هذا ، وتلك خسارةٌ عظمى.
أ‌. عمار البوايزة








تابعونا على صفحتنا على الفيسبوك , وكالة زاد الاردن الاخبارية

التعليقات حالياً متوقفة من الموقع