زاد الاردن الاخباري -
لا يشعر وزير المالية الدكتور محمد العسعس بـ «القلق» دون مسوغ ولا يعبر عن هذا الشعور دون مبرر، لكن المفارقة البيروقراطية تكتمل في لغة لم يعد أحد يفهمها عندما يتعلق الأمر بالقرارات السياسية والإجراءات التي تتعاكس مع شعور الوزير المختص بمالية الخزينة بالقلق، وتحديداً جراء ما سمّاه باحتمالات تزايد البطالة وحرصه على النمو المؤدي إلى إنتاج الوظائف.
العسعس تحدث مرات عدة عن ضرورة العمل ضمن استراتيجية تزيد من عدد وظائف الأردنيين ولا تؤدي إلى العكس، عبر النمو الاقتصادي والتعددية الاستثمارية، الأمر الذي التزمت به خطياً ورسمياً الحكومة مع مجالس ومؤسسات صندوق النقد الدولي والعديد من الدول المانحة. قد تكون من المرات النادرة التي يقرر فيها وزير هادئ مثل العسعس، التعبير عن قلقه وسط تداعيات جائحة كورونا مباشرة، على هامش إفصاح إعلامي عرض فيه نتائج آخر المشاورات مع المكتب التنفيذي لصندوق النقد الدولي، حيث الثقة مباشرة بالأردن من المانحين ومصادقة على المراجعة المتفق عليها.
يمكن القول إن الشعور الرسمي بهذا القلق في مسألة الوظائف تحديداً يبرز بالتزامن مع تعبيرات متنوعة لسفراء الدول الغربية المانحة، مثل سفراء ألمانيا وفرنسا، بعنوان ملاحظات على كيفية إدارة الحكومة لمساعداتهم ومساهماتهم في دعم الاقتصاد الأردني. بالتزامن أيضاً يصدر تقرير ديوان المحاسبة السنوي ليتحدث عن تهرب ضريبي في عام 2019 قيمته تناهز 149 مليون دينار، مع الإشارة إلى أن شركة واحدة، حسب ديوان المحاسبة، تهربت بمقدار 146 مليون دينار.
لا ديوان المحاسبة ولا الوزير العسعس ولا طاقم جهاز الضريبة التابع له، يقدمون للرأي العام الأردني تفسيراً أو شرحاً ذا علاقة بالكيفية التي تسمح لشركة ما، بصرف النظر عن هويتها، بالتهرب في عام واحد وفي بلد كالأردن، بمبلغ يصل إلى 146 مليون دينار.
لمثل هذا التهرب اقترح العسعس، في مرحلة ما بعد الجائحة، برنامجه المثير في اتجاهات التحقق الضريبي وتحسين مستوى التحصيل. لكن الوزراء المتضامنين في الفريق الاقتصادي لا يقدمون بدورهم رواية تساند تشخيص العسعس العلني، فالحكومة حتى اللحظة لم تقل بأن لديها خطة من أي نوع تحافظ على وظائف الأردنيين على الأقل أو تزيد من هذه الوظائف.
والحكومة لم تقل للرأي العام بعدُ ما هو مصير برنامج التشغيل الذي أمطرت به الحكومة السابقة الجميع. ووزير العمل والاستثمار الجديد، المنطلق أصلاً من مساحة نقدية للإدارة الاقتصادية معن قطامين، يتريث في التفاصيل ويبلغ السائلين بأن إخفاقه في موقعه، وعندما يتأكد منه سيعلن.
الأهم أن الإجراءات التي تتخذ حتى اللحظة على الأقل في إطار سلسلة كبيرة من التحقيقات، سواء مشاريع أو عطاءات أو تهرب ضريبي، تنتهي بنتائج معاكسة يومياً لما يقوله العسعس بخصوص القلق من تزايد البطالة، التي تقدر أوساط رسمية بأنها قد تصل إلى نحو 25 % فيما يرى الخبير والاستشاري المتخصص محمد الرواشدة، أنها قد تقفز -إذا ما استمرت الحالة الإدارية كما هي- إلى ما فوق نسبة 30 % .
ويشكو رموز قطاع الأعمال على أكثر من جبهة من انخفاض قيمة مؤسساتهم وأعمالهم وشركاتهم في السوق بسبب عجزها عن العمل جراء التحقيقات التي شملت أيضاً تحقيقات جهاز الضريبة التابع للوزير العسعس، حيث متتالية هندسية من التعثر زادت من كلفة تداعيات كورونا على مؤسسات القطاع الخاص. وحيث آلاف الموظفين فقدوا فعلاً وظائفهم، والمئات في طريقهم لفقدانها، دون تفعيل ما تسميه الحكومة بالتمكين القانوني للتعامل مع المخالفات بصرف النظر عن هويتها، وهو نفسه ما يسميه المعارض حالياً والوزير سابقاً أمجد المجالي، بالانتقائية في محاربة الفساد.
يعلم الوزير العسعس هنا قبل وأكثر من غيره بأن نزاعات التقاضي في مخالفات الأعمال تبقى لفترات طويلة جداً، وبأن قرارات الحجز على الأموال لا تتضمن الحصة المتنازع عليها فقط، وتعلم الحكومة بالمقابل أن شركة هندسية كبيرة مثلاً كان يديرها المعارض ليث شبيلات، أغلقت أبوابها تماماً وانضم كادرها إلى البطالة، وهو ما حصل مع شركات أخرى في قطاع المقاولات عندما تقرر التحقيق بالعطاءات واتخاذ إجراءات قبل الحسم القضائي لأغراض قد تكون شعبوية أو سياسية.
هذا الواقع في عمان اليوم، وهو واقع مختل ويحتاج إلى مقاربة أكثر عمقاً؛ لأن بعض القطاعات الكبرى ضُربت، وما يسمى الاقتصاد المتوسط غير النظامي أرهقته تداعيات الفايروس، فيما القطاع المصرفي والبنكي منهك وقلق أيضاً.
من المفيد عملياً أن يقر الوزير المسؤول عن المالية بالقلق على الوظائف، لكن من المفيد أكثر أن تظهر بقية الوزارات والمؤسسات التزاماً مقنعاً في التخفيف على الأردنيين جراء فقدان وظيفة مؤكدة أو احتمالات مرجحة لفقدان وشيك للوظيفة.