عاد الجدل مجددا في موضوع حبس المدين بموجب قانون التنفيذ فمن لهم دين يطالبون بحبس المدين حتى يدفع، ومن عليهم ديون يعارضون يساندهم في ذلك مخاوف حقيقية من عدم قدرة السجون على الاستيعاب خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية.
وكان عدد من نواب المجلس السابق قد طالبوا الحكومة بمشروع قانون معدل يلغي حبس المدين باعتباره يناقض المادة الحادية عشرة من الاعلان العالمي لحقوق الإنسان باعتباره معاهدة دولية.
من جانب آخر فإن إلغاء حبس المدين بشكل كامل وشامل سيخلق مشكلة اجتماعية واقتصادية كبيرة إذ سيفقد عدد كبير من الدائنين كل وسيلة لتحصيل حقوقهم بالإضافة إلى فقدان عدد كبير من الأحكام القضائية الحقوقية لوسيلة تنفيذها حين يكون المحكوم عليه قد سجل أملاكه بأسماء أبناء وأصدقاء قبل أن يقوم بالاقتراض أو الاتجار، الأمر الذي يعني انتعاش حركة اللجوء إلى البلطجية لتحصيل الديون.
صحيح أن تشريعات الدول المتقدمة لاتجيز حبس المدين بدين مدني ولكن الفارق بيننا وبينها أن المدين لديهم يتعرض لعقوبات أخرى اقتصادية إذ يفقد القدرة على حمل بطاقة فيزا او الاقتراض أو حتى التجارة وهي مسائل جوهرية في تلك المجتمعات المتقدمة اقتصاديا ومصرفيا.
نحن بحاجة إلى حل وسط مرحلي قبل الإلغاء الشامل لحبس المدين ومن هنا فإن الأمر يستدعي التدرج بالغاء حبس المدين المحكوم بدين يكون الدائن فيه مؤسسات الإقراض وصناديق التمويل والبنوك لأنها الطرف القوي الذي يعرض خدمات الإقراض وهو من يختار المقترض ويحدد الضمانات وهو من ارتضى الإقراض بتلك الضمانات بل ويقوم باستدراج المقترضين باعلانات التمويل الاستهلاكي مثل (سيارتك بدون دفعة أولى وعلى مئة شهر) وعليه أن يتحمل نتيجة قراره.
وتلك المؤسسات لديها تأمين على المخاطر ومخصصات ديون معدومة وليس من المنطق أن يحبس مدين لبنك بمبلغ الف دينار مدة ثلاثين يوما ويتكلف حبسه ٧٥٠ ديناراً على حساب الخزينة ويريح البنك فوائد ايضا!!.
وعليه فانا اقترح أن نلغي حبس من هو مدين للبنوك ومؤسسات الإقراض أو نبقي الحبس كما هو ويلزم الدائن بدفع كلفة السجين مسبقا
قبل خمسة وتسعين عاما كان لدينا قانون الإجراء لعام ١٩٢٦، والذي تنص المادة الثانية منه على ما يلي (أن الدائن مجبر على الإنفاق على المديون مدة سجنه، وان بدل النفقة اليومية هو خمسة قروش يوميا لكل مسجون، ولا يسجن المديون إلا إذا دفع الدائن الى مدير السجن بدل نفقة لمدة شهر سلفا).
وتنص المادة الثالثة (اذا لم يتكرر تأدية بدل السجن بعد شهر يترك المديون من السجن ولا يسجن مرة ثانية لأجل المبلغ الذي كان مسجونا لأجله).
ليس من المنطق أن تدخل خزينة الدولة بين طرفي عقد مدني فتتكلف نفقات آلاف السجناء من أموال دافعي الضرائب، وحين يكون على الدائن أن يدفع نفقات حبس مدينه او جزء منها على الاقل سيكون خياره الأفضل نظرة إلى ميسرة او تسوية باقساط يتفقان عليها، الأمر الذي يعزز روح التصالح الأجتماعي ويقي آلاف الأسر من كوارث اجتماعية.