زاد الاردن الاخباري -
تحت عنوان "الدكتور عبدالسلام المجالي رئيس الوزراء الأردني الأسبق" كتب السفير الليبي في الأردن محمد البرغثي:
- الدكتور عبدالسلام المجالي، شخصية أردنية حظيت بإحترام أردني كبير ، ولد سنة 1925 فى مدينة الكرك ، درس الطب فى الجامعة السورية وتخرج منها سنة 1949 ، ليكمل دراسته فى الكلية الملكية للجراحين فى لندن سنة 1953 ويصبح مستشاراً للأنف والأذن والحنجرة فى المستشفى الرئيسي للجيش العربي الأردني ، شغل العديد من المحطات الوزارية منها وزيراً للصحة، وزيراً للتربية والتعليم ، وزير دولة لشؤون رئاسة الوزراء ، تولى رئاسة الحكومة الأردنية مرتين.
- تشرفتُ بالتعرف على دولة أبو سامر فى فترة مبكرة، وكان ذلك عقب وصولي الى الأردن واستلام مهام عملى كسفير لبلادي لدى البلاط الهاشمي فى سنة 2007، لقائي الاول مع دولة الدكتور المجالي فتح الآفاق أمام مجموعة من اللقاءات الهامة، كنتُ حريصاً أن أستمع الى رجل إستثنائي فى طريقة تفكيره ، صاحب خبرة طويلة ، عاش سنوات طويلة بالقرب من الملك الحسين بن طلال، علاقته معه كانت علاقة متميزة ، حدثني عن الملك الحسين قائلاً: "أحملُ لهذا الرجل الكثير من التقدير والاحترام، عرفتُه عن قرب حق المعرفة ، رجلٌ قادرٌ على أن يمتلك القلوب والعقول".
- تحدث الدكتور المجالي عن صفات الملك الحسين قائلاً : "الملك يتمتع بصفة لا نجدها لدى الكثير من الناس ، هى صفة الاستماع ، وكأني به كان يرى ويتكلم ويسمع من أذنيه ، فإذا تكلم فهو ينطق بقليل من الكلمات المعبرة والمركزة، تخرج من فمه هادئة وقوية فى وقت واحد ، فيشعر سامعها أنها الجواب النهائي . منذ أن عرفتُه وهو بعد فى مقتبل العمر لم أراه غاضباً ، سوى مرتين أو ثلاث مرات، لكنه لم يكن يفقد وقاره أو صبره أو مكانة الموقع الذى يشغله. كنتُ أسمعه عندما يستقبل ضيفاً، يبادره بالقول: ياسيدي، كيف ترى هذا الأمر ومارأيك فيه ، عندئذ يشعر الضيف بأنه أصبح تحت مظلة الملك ، وبذلك تزول رهبة اللقاء وحواجز البروتوكول، ويجرى الحوار فى إجواء صدق ومحبة ومصارحة".
- أهداني دولة الأخ الكبير أبو سامر كتابه (رحلة العٌمر من بيت الشعر الى سدة الحكم ) الكتاب سيرةٌ ذاتية أو يمكن القول ، انها سيرةٌ كفاحية بدأت من قريته الصغيرة ( الياروت ) بالكرك جنوب الأردن ، وصولاً الى العاصمة عمان ليتولى رئاسة الحكومة مرتين . حديث الدكتور المجالي عن الياروت حديث عاشق للمكان وما يحوي المكان ، "قريتي التى ولدتٌ فيها ، أسمها الياروت ، هى درب تبانتي الدائمة ، والياروت تضم رفات الوالدين فى مسجد بناه أولادهما ، هذه الدرب التى عرفت خطاي طفلاً وشاباً وكهلاً فى رحلات أسبوعية ، أصبحت كأنها فى حياتي مجموعة شعائر ، وفى الياروت والكرك وعمان والسلط عرفتُ العلاقات الحميمة بين الأخوة والأهل ، بين أفراد عشيرة تزين صدورهم الأوسمة والنياشين ، وهم يمارسون الأدوار الكبرى".
- يعتز الدكتور المجالي بدوره فى إنشاء الجامعة الأردنية ، ورئاسته لهذه المؤسسة العلمية العريقة ، حيث ينظر الى هذة الجامعة المتميزة نظرة احترام كبير، فمنها تخرج المئات الذين ساهموا فى بناء الدولة الأردنية المعاصرة ، وعن قصة إنشائها " فى آب أغسطس 1961 دعاني مكتب القائد العام للجيش لأكون مترجماً لحابس باشا المجالي لدى أستقباله النائب البريطاني ( فلتشر)، لأن المترجم أميل جميعان كان فى إجازة، سألني النائب الانجليزي أثناء اللقاء أن أستوضح من حابس باشا ، ماذا تطلب القوات المسلحة الأردنية من دعم من بريطانيا، فسألت حابس باشا فقال ليّ : قل للنائب، إن المعدات العسكرية من طائرات ودبابات وغيرها ، تصبح بعد فترة غير قابلة للأستعمال ، الحديد يبلى ، لكن العلم باق لا يبلى، وبريطانيا متميزة فى العلم، ونحن فى الأردن لا يوجد لدينا جامعة ، فإذا رغبوا فى مساعدتنا فإننا نريد إنشاء جامعة ، ولقد أعجب النائب البريطاني من هذا الطلب ، قائد عسكري يُفضل العلم على المعدات العسكرية".
وأضاف أبو سامر : "وبعد شهرين من مغادرة النائب البريطاني عمان، قدم وفد من الجامعات البريطانية ( لندن ، أكسفورد ، كيمبردج ) ونزل فى ضيافة القوات المسلحة، وقد كنتُ أحد مستقبلي الوفد الذى قام أعضاؤه بدراسة وافية ، وقدموا تقريراً أوصوا فيه بإنشاء جامعة نواتها كلية معلمين".
- أحداث أيلول 1970 تركت فى نفس أبو سامر وجعاً كبيراً " لا أستطيع أن أترك الحديث عن معركة 1970، من دون أن أتحدث عن حصتي فيها ، فقد كان عليّ أنا أيضاً أن أدفع ثمن هذه العلاقة التى كانت مميزة وممتازة بيننا وبين اشقائنا الفلسطينيين ، ثم ما لبثت أن أصيبت بضرر هالك، من جراء انعدام الثقة المتبادلة، ولجوء بعض الأخوة الفلسطينيين الى تغليب منطق ثورتهم على منطق مملكتنا ، الى درجة أن عدداً من هؤلاء الاخوان بدأوا يمهدون لإعلان الجمهورية، وسقوط الملك ونظامه، وكان سائقو سيارات التاكسي كثيراً ما يسمعون من ركابهم عبارة فى منتهى الخطورة وهي: خذني الى ساحة الجمهورية أو أطلع ع الجمهورية الى آخره ، وأما حصتي الشخصية من هذه الحرب الطاحنة، فهى أنني تعرضتُ للخطف مرتين".
- تعامل دولة الدكتور المجالي من خلال موقعه مع القضايا العربية ، والقضايا الدولية، ولا يُخفي ألمه نتيجة الوضع العربي المتردي : "كان الغرب قد بلغ أقصى درجات الاستهتار بالعرب وعدم الاكتراث بقضاياهم ، عقب حرب ال 67 أيقن الغرب بجميع دوله ورجالاته أن العرب شعب يتكلم كثيراً ويفعل قليلاً، وانهم متناقضون، يريدون الشئ ويقبلون بنقيضه ، قالوا لا فى الخرطوم ، ثم قالو نعم للقرار 242 ، أغنياء جداً وشعوبهم من أفقر شعوب الأرض ، قادرون أذا ارادوا، لكنهم لا يريدون وهكذا ، حتى سقطت كل العلاقات الحسنة، وأحياناً الممتازة، بين الدول الغربية والولايات المتحدة من جهة ، وبعض الدول العربية من جهة أخرى".
- وجهت الدعوة للأردن للمشاركة فى مؤتمر السلام الدولي الذى عُقد فى مدريد، الملك الحسين يختار الدكتور عبدالسلام المجالي رئيساً للوفد الأردني الفلسطيني المشترك، " ألتقيتُ بجلالة الملك الحسين الذى وضعني فى صورة ما يحدث وقال ليّ إن المناخ الدولي والاقليمي الآن هو مناخ سلام ، وقد قررنا المشاركة فى الانضمام الى المفاوضات السلمية ، لأن هذا هو خيارنا دائماً وأستراتيجيتنا كما تعلم ، ونحن الآن فى صدد تشكيل الوفد الأردني الفلسطيني ، وقد أخترتك لرئاسته ، فما رأيك ؟ أجبتُ جلالته قائلاً : أنا جندي وأنت القائد ، والجندي يذهب الى حيث يأمره القائد ".
ويضيف دولة أبو سامر: "عندما أصبحت ملفاتنا جاهزة ، طلبتُ مقابلة مع جلالة الملك الحسين ورجوته أن يزودني بتوجيهاته ، فانتفض قائلاً : أنت يا عبد السلام تطلب توجيهات مني، وهل أنت بحاجة الى توجيه ، اذهب على بركة الله ، فما تقبل به، أقبل أنا به وبقية الوطن، وأنت مؤتمن على ذلك أمين".
- وجهتُ الدعوة الى أخي دولة الدكتور عبدالسلام المجالي لزيارة ليبيا ، وقد قبل ذلك وكان ذلك ، حيث حل ضيفاً عزيزاً كريماً صُحبة وفد أردني كبير ، ضم العديد من الشخصيات السياسية والثقافية المرموقة ، وقد وصلتُ بمعية هذا الوفد الى مدينة سبها على متن طائرة خاصة ، يوم الخميس 30 مايو 2009 . لقد حظي دولته والوفد المرافق بكل التقدير والاحترام.
- أستقبل العقيد معمر القذافي الوفد الأردني وجرى حوارٌ طويل ، حيث ألقى دولة الدكتور المجالي كلمة فى البداية ، أكد فيها عمق العلاقات بين البلدين ، مُستعرضاً لمحطات هامة فى تاريخ هذه العلاقة ، وليعبر عن إعجابه الشديد بمشروع النهر الصناعي " وما مشروع النهر الصناعي إلا إنتصار الليبيين على العطش وهو اليوم حقيقة ماثلة فى القرى والمدن الليبية لينقل ملايين من الأمتار المكعبة من المياه يومياً من جوف الصحراء الى المناطق العمرانية ، فى منظومة من الأنابيب وبإستخدام أحدث الأساليب التقنية المعاصرة ، ليحقق الشعب الليبي أمنه المائي ، ونحن فى الأردن نأمل أن نستفيد من هذه التجربة لتحقيق أمننا المائي".
- وفى هذا اللقاء عبر الوفد الأردني عن تقديره لسابقة الاعتراف الايطالي لليبيا عن فترة الاحتلال ونهب مواردها ، وثمنوا عالياً بادرة العقيد معمر القذافي بإصطحابه ابن شيخ المجاهدين عمر المختار على كرسي متحرك الى ايطاليا، حيث طالبوا بالبناء على ذلك ، ودعوة الدول العربية بأن تحذو حذو ليبيا وتطالب بالتعويض والاعتذار من كل الدول التى أحتلت أجزاءاً من الوطن العربي ، أو أعتدت ، أو ساهمت فى أحتلاله وتقسيمه ونهب مقدراته.
- تمنى الوفد على رئيس القمة العربية القادمة، إنشاء صندوق تنمية عربي للإستثمار فى الموارد البشرية، والارتقاء بالتعليم ، كما طالب الوفد بإدراج تشجيع ودعم البحث العلمي فى الوطن العربي، ضمن جدول أعمال قمة سرت ، كضرورة عربية عاجلة لإنقاذ العقل العربي، علماً بأن البحث العلمي لا يحظى فى الوطن العربي إلا بنسبة ضئيلة جداً من الدخل القومي.
- توطدت العلاقة بيني وبين دولة الاخ العزيز أبو سامر، حيث أن اللقاءات معه لا تُمل، رجلٌ ينبغي الإنصات إليه، والاستفادة مما يقول، لقد أردت أن أعرف، ولقد كان ليّ ما أردت ، يبقى بالنسبة ليّ هو الاخ الكبير العزيز، صاحب الخلق الرفيع، والفهم العميق، له مني كل التقدير والاحترام، وقد شرفني بدعوته الكريمة لإلقاء محاضرة فى جمعية الشؤون الدولية التى يترأسها دولة الدكتور، حيث تعد هذه الجمعية اهم منبرٌ ثقافي وسياسي فى الأردن . لقد أستضافت الجمعية منذ تأسيسها، العديد من الشخصيات السياسية العربية والدولية لإلقاء المحاضرات.
- لقد حرصتُ يوماً أن أتوجه بسؤال الى دولة أبو سامر : " ماهو الدرس الأهم الذى تعلمته من هذه الرحلة الطويلة فى الحياة ، أجاب :"الحب والتسامح".