هذا الربيع العربي الذي نعيشه منذ أربعة شهور هي أيام لم نكن نحلم أن نعيشها حتى ولو كان الأمر كمجرد أحلام يقظة ، ولكن الله من علينا بأن جعلها حقيقة واقعة دخلت التاريخ وغيرت مجراه ....
التاريخ الذي تغير ، واللغة الجديدة التي أصبحنا نسمعها ، والشعب الذي أصبح بين ليلة وضحاها يصرخ بملئ فيه أنه يريد تغيير النظام ، فلا تجد من الطرف الآخر سوى الخوف الذي لم تكن تعرفه إلا الشعوب وحدها ... لا بد من اجله أن نشكر اولا البوعزيزي بغض النظر عن إيماننا بطريقته أم لا ، فقد كان هو المبشر الذي كسر حاجز الخوف وقال لا أريد حياة يملأها القهر والخوف من الحاكم ....لا بد أن نشكر جميعا الشعب المصري الذي ( اخترع ) لنا عبارة ( الشعب يريد إسقاط النظام ) ..لا بد أن نشكر الشعب اليمني الذي يعلمنا يوميا أنه سيبقى يناضل بطريقة حضارية حتى يحقق أهدافه ...
هذا الربيع العربي لم يقف عند حدود معينه ، فالشعوب العربية جميعها استفادت منه ، من محيطها إلى خليجها ، فالتغييرات شملت جميع الشعوب العربية بلا استثناء ، فالتغيير المنشود للجميع لم يكن موجها للحكام بحد ذاتهم ، بل كان موجها للأنظمة التي فسدت ولم يعد الشعب يرى منها سوى الفساد الذي ينخر جميع أجزاء النظام ، وكان معظم الفساد يأتي من بطانة الحاكم وليس الحاكم نفسه ..وهكذا هرب حكام واتعظ آخرون ...
نعم ، نستطيع القول الآن ونحن في هذه المرحلة من ربيع الوطن العربي ، إن الشعب نجح في تغيير النظام في كثير من البلدان العربية ، فتراجعت كثير من الأنظمة العربية أمام جماهيرها بعد أن طالبت –أو حتى لم تطالب بعد – وهذا يدل على أن النظام قد تغير وأن النظام العربي يشكل عام قد بدأ يخشى شعبه ، وهذا في حد ذاته هو الهدف الأساسي من هذه التحركات ، فالنظام العربي ولعشرات السنوات لم يكن يعتبر شعبه سوى مجموعة من البقر يحلبها يوميا في مزرعته الخاصة ، ولم يكن يحسب لها أي حساب ، وكانت أهم حساباته هي تلك الأموال التي يكدسها باسمه واسم أسرته في البنوك الغربية .
تونس كانت شعلة القيادة ..ومصر كانت الأجمل والأقرب إلى القلب..وليبيا كانت وما تزال الأسوأ في حالتها ..أما اليمن فقد كانت المفاجأة الحقيقية في رقي ثورتها وتنظيمها وتماسكها ..وأخيرا سوريا تبقى حتى الآن اللغز ، وأفقها غير واضح المعالم ، وتطوراتها قابلة لكل الاحتمالات ، فمعارضة النظام حتى الآن خجولة شعبيا ..تتزايد مع أيام الجمع ولكن ببطئ ، السلطة في سوريا حتى الآن تحاول ربط الحراك السياسي بمخططات خارجية وتجد أن أسهل المتهمين هم الإسلاميون ، ولا تزال السلطة تستعمل نفس المصطلحات القومية – البالية – من أجل الدفاع عن نفسها ، تحاول أن لا تكشر عن أنيابها ، ولكنها متيقظة جدا (وتخرمش ) بقوة حتى تخيف الخائف وتمنع المزيد من الزحف ...المحللين السياسيين حائرون في قدرة الرئيس بشار على الإصلاحات ، فالمستفيدون من النظام في رئاسات الاستخبارات الأربعة لن يسمحوا لبشار أن (يلعب ) عليهم ويخرجوا خاسرين ، فهم يعتبرون الجميع فريق واحد في سفينة واحدة ، تغرق أو تستمر كوحدة واحدة ...
المتظاهرون من الشعب السوري يعلمون أن التغييرات التي تم إقرارها لا تعني شيئا بالنسبة إلى تغيير النظام ، وأن المطلوب هو الإنفكاك من نظام القبضة المخابراتية والتي كانت السبب في معظم انتفاضات الوطن العربي ..والشعب السوري يعلم الآن أن شعارات العدو الصهيوني والحرية والاشتراكية والمؤامرات الدولية ، جميعها أصبحت لا تؤدي معناها المطلوب .
الرئيس بشار الأسد كان أمل التغيير عندما استلم مقاليد الحكم في عام 2000 بعد وفاة والده الذي حكم سوريا بالقبضة الحديدية ، ولكن السنوات مرت ولم يستطع الرئيس بشار أن يغير شيئا خلال السنوات العشر الماضية ، وما زال النظام الأمني ساري المفعول في سوريا ، وإذا كان هناك رغبة حقيقية لدى الدكتور بشار في ( صنع ) التغيير في سوريا وتحويلها إلى نظام مدني تعددي فربما كانت هذه هي فرصته الفعلية والوحيدة من أجل الإنفكاك من تأثير العائلات الأخرى ، والانقلاب عليها وعلى تأثيراتها السيئة عليه وعلى حكمه ، فالدكتور بشار كحاكم مثقف يحظى بالكثير من التأييد في بلده وسيحظى بإجماع شعبي لو استطاع التخلص من رؤساء أجهزته ..أما إذا لم يستطع فمغامرة سوريا ستكون طويلة وأليمة ونتائجها ضبابية ...
د . معن سعيد