رايحه عمي
جماعة (رايحه عمي) هم لمن لايعرفهم كبار السن في القرى والبوادي الأردنية تجدهم يجلسون في الأفراح والأتراح قريبين من بعضهم يتسامرون أو يلعبون (السيجه) في طرف بيت الشعر لان كلامهم لايركب على كلام الموجودين ولايحبون الكلام السياسي واغلب حديثهم عن مغامراتهم ايام الصبا وفي اغلب الأحيان لايعجبهم العجب فان تكلمت معهم عن شيء معاصر أو شعروا أن كلامك فيه نوع من السياسة فورا يقلبون الحديث ويقول احدهم (رايحه عمي مايبقى غير العمل الصالح).
قبل اسبوع وفي إحدى المناسبات قررت (التحركش) بهم فجلست معهم إلى حلقة (السيجه) حيث بادرني احدهم بالسؤال المعتاد (كيف شغلك وصحتك) فاجابته أنني بخير والحمد لله وكنت قد ضمرت في نفسي أن استفزهم بسؤال أعددته مسبقا وهو كيف ترون الأوضاع الآن وهذا الغلاء في الأسعار والمسيرات والفساد وقبل أن انهي باقي سؤالي قام منهم ثلاثة بحجة أنهم لم يصلوا العشاء بعد وأما الثلاثة الباقين فأرادوا أن يجيبوا على السؤال مع بعضهم إلا أنهم ولحسن أدبهم وتربيتهم تركوا الكلام لأكبرهم سنا الحاج أبو محمد حيث قال والله ياعم أن الأردن بألف خير وأننا رأينا في حياتنا ايام لايستطيع جيلكم هذا تحملها فبدا حديثه من خبز الذرة والشعير والزراعة والتعب والبذار والحصاد والجوع إلى أن وصل إلى الخير الذي نعيشه في أيامنا هذه وتابع حديثه عن الفساد وقال (يعموه) أن الذئب عندما يأكل شاة هل نستطيع أن نخرجها من بطنه حيه فما هو الأفضل أن نبقى نطارد ذلك الذئب أم نحصن أغنامنا ونحميها من هجمته القادمة وبعد هذا الكلام استأذنوا لأنهم تعودوا النوم مبكرا.
بقيت جالسا افكر في كلام الحاج ابومحمد واستذكرت محاضرة للنائب محمد الحلايقه قال فيها ان الفرق في موازنة هذا العام مقارنة بالأعوام السابقة هو طرح المبالغ من قضايا الفساد التي تم اكتشافها مؤخرا من مجموع العجز في الموازنة لهذا العام فربطت هذه المعادلة بحديث العم ابومحمد الذي طلب منا بلغته البسيطة ان نحصن أغنامنا جيدا من هجمات الذئب القادمة خير من ان نبقى نطارده دون فائدة.
ان من سرق ونهب وغرق بالفساد هو إنسان ذكي وقد حصن نفسه مسبقا فمن غير المعقول ان يضع أمواله في احد البنوك الأردنية أو في وسادة رأسه أو قاصة منزله فهو جاهز لقضاء بضعة اشهر في احد مراكز الإصلاح ثم يعود بعدها إلى إمبراطوريته العظيمة وكأن شيء لم يكن .
من هنا أرى نأخذ بنصيحة العم ابومحمد بأن ننسف الماضي بكل فساده ونحرق (اضبارته) وان نتطلع الى المستقبل بان نشدد الرقابة على الصغير والكبير ونحصن مؤسساتنا بوضع قوانين صارمة ورقابة شديدة بتفعيل مؤسسات الرقابة مثل ديوان المحاسبة ومكافحة الفساد والرقابة الداخلية لكل مؤسسة وان نولي على مؤسساتنا اناس نعرفهم بنزاهتهم وسجلهم النظيف بحيث يتم اختيارهم بعناية دون تدخل الواسطة والمحسوبية عندها سنأمن ان الذئب لن (يهجم) على أغنامنا مرة ثانية.
مع احترامي وتقديري للعم ابومحمد ورفاقه.
هلال العجارمه