زاد الاردن الاخباري -
منذ بداية الخلاف الخليجي وضعت دول الحصار الذي فرض على قطر قبل نحو أربع سنوات 13 شرطاً مختلفاً كان من بينها إغلاق القاعدة العسكرية التركية في الدوحة، لكن ومع الإعلان عن المصالحة الخليجية وفتح المعابر الجوية والبرية والبحرية بين قطر والسعودية لم تظهر أي مؤشرات على استجابة قطر لهذه الحزمة من الشروط التي رفضتها الدوحة بشكل مطلق منذ بداية الأزمة واعتبرتها مساساً بسيادتها.
فالمصالحة جاءت هذه المرة ليس بموجب فرض شروط من أي طرف أو في إطار تراجع قطري أو رضوخ لشروط السعودية ودول الحصار الأخرى، وإنما جاءت في إطار ضغط أمريكي كبير لإنهاء الخلاف الخليجي على قاعدة وضع الخلافات جانباً والبناء على نقاط الاتفاق لحماية مجلس التعاون الخليجي ومواجهة التحديات المتعاظمة في المنطقة، وهو ما لم يتح للسعودية الحديث عن شروط متقدمة من قبيل قطع العلاقات مع تركيا أو إغلاق القاعدة العسكرية التركية.
وفي هذا الإطار، لا ترى الأوساط السياسية والإعلامية في تركيا أي خطر على العلاقات التركية القطرية التي جرى توسيعها وترسيخها طوال السنوات الماضية في المجالات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية وغيرها، وصولاً لشراكة استراتيجية لا يمكن التراجع عنها بسهولة من قبل أحد الطرفين.
وإلى جانب ذلك، فإن المصالحة الخليجية لا تعني انتهاء كافة الخلافات بين الدوحة والرياض، حيث ما زالت الثقة في أدنى مستوياتها وهو ما يدفع قطر للحفاظ على توازناتها الإقليمية وعلاقاتها مع الأطراف المختلفة والعمل بشكل دقيق على إزالة المخاوف السعودية من العلاقات مع تركيا وربما المساعدة لاحقاً في تقريب وجهات النظر بين أنقرة والرياض بدلاً مع التماشي مع مساعي الرياض لإبعاد الدوحة عن أنقرة، وهو ما يتماشى إلى درجة كبيرة مع التوجه التركي الجديد لفتح صفحة جديدة في العلاقات مع العديد من الدول حول العالم وعلى رأسها مصر والسعودية.
وتعتبر تركيا من أوائل الدول التي بادرت للترحيب بإعلان وزير خارجية الكويت التوافق بين الدوحة والرياض على فتح الحدود بين البلدين، مساء الإثنين، واعتبر بيان للخارجية التركية أن هذا التطور يمثل خطوة هامة لحل الأزمة الخليجية المتواصلة منذ حزيران/ يونيو 2017.
وثمنت الوزارة “جهود اللاعبين الدوليين الذين ساهموا عبر أنشطة الوساطة التي قاموا بها في التوصل إلى هذا القرار، وفي مقدمتهم دولة الكويت”، مؤكدة أن تلك الجهود “تستحق التقدير”، معربةً عن تمنياتها بالتوصل إلى “حل دائم وشامل لهذا النزاع يقوم على الاحترام المتبادل لسيادة الدول، ورفع بقية الإجراءات العقابية عن الشعب القطري بأسرع وقت”.
وجاء في البيان: “تركيا التي تعد شريكة استراتيجية لمجلس التعاون الخليجي وتولي أهمية كبيرة لأمن واستقرار منطقة الخليج ستواصل دعم كافة الجهود التي تصب في هذا الإطار”.
وتتوقع الكثير من الأوساط الرسمية في تركيا أن تكون المصالحة الخليجية دافعاً مهماً لمساعي تحسين العلاقات بين أنقرة من جانب والرياض والقاهرة من جانب آخر خلال المرحلة المقبلة، ويمكن أن يمتد ذلك ليشمل أبو ظبي التي عين فيها سفير تركي جديد في أبرز إشارة تركية على الرغبة في تحسين العلاقات إذا توفرت الظروف المناسبة لذلك.
وطوال الأسابيع الماضية، أرسلت السعودية رسائل للتقارب الاقتصادي مع تركيا وذلك بعد اتصالات وتصريحات سياسية بعثت الأمل لدى كثيرين بوجود مساع ونوايا حقيقية للتقارب بين البلدين عقب سنوات من الخلافات المتصاعدة حول العديد من الملفات الثنائية والإقليمية المتشعبة.
وخلال الأسابيع الماضية، جرى لقاء بين وزير الخارجية التركي مولود جاوش أوغلو ونظيره السعودي فيصل بن فرحان، وذلك عقب اتصال هاتفي جرى بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والملك سلمان بن عبد العزيز، وسط أنباء عن تراجع السعودية عن إجراءات كانت تهدف للتضييق على دخول المنتجات التركية إلى السوق السعودية.
ونقلت صحيفة صباح التركية عن وزيرة التجارة التركية روحصار بكجان قولها إن الرياض أكدت عدم وجود مقاطعة رسمية للبضائع التركية، مضيفةً: “نتوقع خطوات ملموسة لحل المشاكل في علاقاتنا التجارية والاقتصادية.. نظراؤنا أبلغونا أنه لا يوجد قرار رسمي، أن هناك بعض المسائل الاستثنائية”.
كما أطلق وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان تصريحات “تصالحية” نادرة اتجاه تركيا، وقال في لقاء مع وكالة رويترز إن المملكة “لديها علاقات طيبة ورائعة” مع تركيا و”لا توجد بيانات تشير إلى وجود مقاطعة غير رسمية للمنتجات التركية”. في المقابل اعتبر وزير الخارجية التركي أن “الشراكة القوية بين تركيا والمملكة العربية السعودية ليست لصالح البلدين فحسب؛ بل للمنطقة بأكملها”، في خطاب تصالحي هو الأبرز منذ سنوات.
وجاءت التطورات الأخيرة في ظل مجموعة من المتغيرات الهامة، أبرزها على الإطلاق هو نتائج الانتخابات الأمريكية التي خلصت إلى فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن على حساب الرئيس الحالي دونالد ترامب الصديق الحميم للسعودية والذي ساعدها في التغطية على تصرفاتها سواء في الأزمة الخليجية وحصار قطر أو الحرب المتواصلة في اليمن وصولاً إلى دعم مناطق النزاع في ليبيا وغيرها، إلى جانب التغطية على جريمة قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في تركيا وهي القضية الأخطر التي تمس ولي العهد السعودي محمد بن سلمان شخصياً.
وفي محاولة على ما يبدو لتجنب المتاعب التي سيجلبها بايدن لولي العهد السعودي، تتجه المملكة لإبداء ليونة تجاه الكثير من القضايا ومنها حل الأزمة مع قطر، وإنهاء الحرب في اليمن، وإغلاق ملف خاشقجي، وجميعها ملفات تلعب تركيا فيها دوراً حيوياً ولا يمكن حلها دون وجود علاقات جيدة بين الرياض وأنقرة.
في المقابل، يعتبر فوز بايدن عاملاً مهماً أيضاً في الضغط على تركيا للاتجاه أكثر نحو تغيير سياساتها الخارجية خلال المرحلة المقبلة، والاتجاه أكثر نحو الاستقرار لتجنب الصدام مع الإدارة الأمريكية الجديدة، ويتجه أردوغان للقيام بإصلاحات سياسية واقتصادية وقضائية وديمقراطية، النجاح فيها يتطلب تغييراً في السياسات الخارجية للحفاظ على علاقات اقتصادية جيدة بما يساهم في تحقيق الأولوية للأولى لأردوغان حالياً والمتمثلة في محاصرة الأزمة الاقتصادية، ومن شأن التقارب مع السعودية أن يعطي دفعة قوية لهذا التوجه.