لا جمال بعد اليوم ...!!!
اليوم ونحن ننظر يمنة ويسرة لنرى مظاهرات ومسيرات وثورات، مظاهرات تؤيد، ومسيرات تندد، وثورات تهدد، وقفت العين حائرة متسائلة، ترى إلى متى، وإلى أين نحن سائرون ؟
في الوقت ذاته ذهبت الذاكرة بعيداً .... بعيداً إلى ما قبل 44 عاماً تقريباً.
في يوم التاسع من حزيران يونيو 1967م، عندما ظهر الرئيس المصري آنذاك جمال عبدالناصر معلناً تنحيه عن حكم الدولة العربية الأكبر، وعودته إلى صفوف الجماهير التي خرج من بينها !!!
هكذا بكل بساطة، هل كان يعقل بأن رئيس مصر القومي العروبي، الذي كان رائد الوحدة العربية، والقائم على تنفيذها بين مصر وسوريا يوما ما، والذي وقف وتحدى العالم كله من أجل محاربة الصهاينة، هل يعقل أن يتنحى بهذه البساطة والسلاسة، وبعد أربعة أيام فقط من الهزيمة في نكسة حزيران أمام الصهاينة !!
لماذا لم ينتظر الرجل حتى يخرج الشعب المصري ليطالبه بالتنحي وترك الحكم لغيره، لماذا تنحى بهذه السرعة، وشعر بمرارة الهزيمة، وتحمّل مسؤوليتها كاملة أمام شعبه والعالم، ثم لماذا خرج الآلاف من أفراد شعبه بعدها يطالبونه بالعودة عن التنحي!!
سؤال يبدو غريباً في مثل هذه الأيام التي نعايشها ونعاصرها، ونحن هنا لا نتكلم عن جمال عبدالناصر كشخص، أو نمتدحه كرئيس فالرجل ترك الدنيا منذ زمن بعيد، وهو ليس صلب موضوعنا، ولكننا نتحدث عن موقف واحد فقط، وهو موقف حتى مناقشته بالنسبة لبعض الزعماء العرب اليوم أصبح من المستحيلات، وأشبه بدخول حقول الألغام.
وإذا ذكرنا هذا المثال كمثال معاصر قريب من أعيننا ومن ذاكرتنا في آن، فذلك حتى نسأل عن سبب هذا التشبث الرهيب لبعض الزعماء العرب بمناصبهم، حتى وإن كلفهم الأمر الرقص فوق جثث جميع أفراد شعبهم.
تمنينا أن نرى أحد هؤلاء الزعماء يروي لنا شوقنا إلى الأيام الجميلة، تلك الأيام التي كان يشعر المواطن فيها في بعض الدول العربية بأن زعيمه جاء من الحارة التي تقابله، وكان يترك أشغاله وأعماله ليهرع مسرعاً فقط ليتابع خطاب زعيمه المحبوب.
هل رأى أحدنا ماذا فعل رئيس وزراء تركيا قبل أيام، هل رأى هؤلاء الزعماء كيف تنحى ذلك الرجل عن منصبه لمدة يوم واحد لأحد أطفال تركيا والبالغ 12 عاماً فقط، وذلك لأن الطفل تم انتخابه لمدة يوم واحد كرئيس لوزراء تركيا من قبل 14 مليون ناخب من الأطفال الأتراك في عموم المدارس الابتدائية في تركيا !!
هذه امثلة من التاريخ المعاصر، أما عن التاريخ القديم فحدث ولا حرج ..
فنتذكر كيف كان سيد الأولين والآخرين محمد عليه الصلاة والسلام يتعامل مع غيره سواء من العدو أو الصديق، وكيف وافق للمشركين على عدم كتابة "بسم الله الرحمن الرحيم" أو حتى "محمد رسول الله" في صحيفة صلح الحديبية عام 6 للهجرة، فقط ليحقن دماء المسلمين ويتمم الصلح، وكيف لا وهو الذي قال فيه رب العزة والجلال: ((وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ)) سورة الأنبياء الآية 107.
ثم هل نتذكر كيف كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه يخطب يوماً فقال للناس: إذا مِلتُ عن الحق يوماً فقوموني، فقام رجل وأشهر سيفه، وقال له: نقومك بسيوفنا عندها يا عمر، فقال عمر رضي الله عنه: لا خير فيكم إن لم تفعلوا ولا خير عندي إن لم أقبل.
ثم هل نسي هؤلاء الزعماء، ممن يعتبر بعضهم الإمام الحسن رضي الله عنه وأرضاه أحد أركان الأئمة المعصومين، ماذا فعل الإمام الحسن رضي الله عنه في العام 40 للهجرة النبوية الشريفة، أي قبل أكثر من ألف وثلاثمائة عام، عندما أعلن تنحيه عن حكم الأمة الإسلامية، وتنازل عن الحكم برغم أنه من آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنه آثر حقن دماء المسلمين، ووقف الحرب فيما بينهم، وتوحيد صفوفهم ضد أعدائهم ..
ليت بعض الزعماء يلتفتون إلى أخلاق أئمتهم ومن يقتدون بهم، ويعملون هم أيضاً على حقن دماء شعوبهم ..
ولكن للأسف أن يظهر للجميع في هذه الأحداث بأن بعض الزعماء العرب ليس لديهم ولم يكن لديهم يوماً الاستعداد لسماع أصوات مرتفعة في بلادهم، فهم تعودوا على سماع الصوت الخافت الخائف فقط، ذلك الصوت الذي يرتجف وهو يتحدث إليهم، أما الصوت المرتفع فيجب أن يرتفع صاحبه إلى أعلى مرتفع ثم يهوي إلى مكان سحيق ..
بكل الأحوال رسالة صغيرة إلى كل زعيم متشبث بكرسي الزعامة، تشبثوا بمناصبكم كما شئتم، وتجرأوا على القتل من شعوبكم كما شئتم، وأحرقوا قلوب الأمهات على أبنائها مثلما أردتم، وأرقصوا فوق جثثهم صباح مساء كما يعجبكم، ولكن امتلكوا الجرأة بعدها بأن تتنازلوا عن الحكم لشعوبكم، ولو يوماً واحداً فقط، حتى تتعرفوا على مقدار حب شعبكم "أو المتبقي منه" لكم.
كنا نتمنى أن يكون هؤلاء الزعماء صادقين في سعيهم في أن يكون مستقبل شعوبهم مليئاً بالجمال والسعادة والنضرة ..
ولكنهم أرادوا أن يبقوا على نهجهم من القتل والظلم والتعذيب، وكأنهم يقولون لشعوبهم أبشروا يا أحبتنا بمستقبل لا جمال ولا سعادة ولا نضرة فيه ...
ولكن ليبشر هؤلاء الظلمة أيضاً فقد منح الله عز وجل كل واحد منهم مقعداً في موعد لن يخلفه لهم عندما قال عز من قائل: ((وَلَا تَحْسَبَنَّ الله غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ)) سورة إبراهيم الآية 42.
ويبقى السؤال عن السبب الذي يجعل الظالمين يستمرون في ظلمهم حائراً بلا إجابة؟ ترى لماذا برأيكم؟