شباب الكرك...مكتهلون في وعيهم!
د.بسام البطوش
في خضم المشهد الثوري العربي وانعكاساته على الأردن ،يعبر الشباب الأردني عن توق كبير إلى الإصلاح والانتقال بالأردن نحو مستقبل أفضل،لكنهم يأسفون لعدم امتلاكهم الأدوات الكافية للتأثير في مجريات الشأن العام ،عبر المؤسسات الرسمية والمجتمعية،وهذه الحالة تساعد على تحويل الشباب إلى رهائن للتقليد الأعمى حينا،أو للتجييش الحزبي حينا آخر، أو للتلميع الإعلامي لبعض الأصوات والوجوه الشبابية في محاولة لإظهارها ممثلة لعموم شباب الأردن! وهذا كله ثمرة من ثمرات ما يواجهه القطاع الشبابي من مشكلات هيكلية وجوهرية متراكمة؛ ففي ظل الاهتمام الملكي غير المسبوق بالشباب،و في ظل التوجيهات الملكية المستمرة بضرورة الاعتناء بالشباب مكانة ودورا وتمكينهم من ممارسة دورهم في صناعة الأردن القادم؛ وبالرغم من المبادرات الملكية المتعددة الموجهة لخدمة القطاع الشبابي والنهوض به ،فإن الحكومات المتعاقبة، والمؤسسات والهيئات الشبابية لم توفق في تحقيق جوانب أساسية من الرؤية الملكية حول الشباب ،وبقي الملف الشبابي يعاني من تشتت مرجعياته وضبابية رؤاه وغياب برامجه الواقعية النابعة من هموم الشباب وواقع حياتهم اليومية، بعيداً عن التقليد والفزعة والارتجال، وبقي سائدا النظر للشباب كشريحة يمكن توجيهها وتأطيرها بسهولة،عبر برامج (طق الحنك) التي تنفذها مؤسسات كثيرة وبشكل مكرور وممجوج!
ومن هنا فإن من واجب من يعنى بالمسألة الشبابية الأردنية ،وفي اللحظة التي يعكف فيها المجلس الأعلى للشباب على صياغة الاستراتيجية الوطنية للشباب 2010-2015 ! أن يواجه أسئلة جوهرية حول وجود رؤية واضحة لدى الدولة الأردنية حيال القطاع الشبابي،تكون قادرة على تقديم برامج عملية واقعية تلبي احتياجات الشباب، وتلامس آمالهم وتطلعاتهم على الصعد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية. ومن حق المراقب أن يتساءل :حول مدى قدرة المؤسسات الشبابية الرسمية وشبه الرسمية على تأطير الشباب ،وتوفير البيئة الحاضنة لهمومهم وابداعتم وطموحاتهم ،وحول مدى النجاحات التي حققتها في تعزيز الهوية الوطنية الأردنية الجامعة لدى الأجيال الأردنية الشابة؟وحول جدية البرامج الموجهة لحماية الشباب من التطرف و الآفات الفكرية والثقافية والاجتماعية الوافدة التي باتت تجتاح مجتمعنا.
من يرقب المشهد الأردني يلمح قلقا في عيون الشباب حول المستقبل، وهم خائفون على وطنهم من الفوضى ومن التقليد الثوري الأعمى،ومن محاولات البعض استنساخ مآسي الآخرين ،وهم رافضون لمنظومة الفساد التي استمرأت التطاول على حقوق البلاد والعباد ،ولدى قطاعات شبابية أردنية واسعة قلق مشروع من الخطاب التأجيجي الذي تتبناه قوى المعارضة في محاولة منها لتأجيج المشاعر والعواطف الشبابية واستثمارها في تحقيق ما عجزت النخب الحزبية والسياسية الهرمة عن تحقيقه ضمن قوالبها الحزبية التقليدية التي أكل دهر الترهل والجمود عليها وشرب! ولأن كثيرا من الشعارات والهتافات والمطالب المرفوعة في الأفق المعارض مقلقة للأردنيين جميعا ولا تخلو من الاستقواء والتجييش العاطفي الانتهازي؛فإن قطاعات شبابية أردنية كثيرة باتت تتحرك بقوة ووعي وثبات لتأخذ مكانتها اللائقة في المشهد الشبابي الأردني،ولتوقف محاولات البعض السطو على الإرادة الشبابية ، وركوب الموجات الشبابية الهادرة وتحويلها عن مجراها الإصلاحي الوطني الملتزم بثوابت الوطن هوية ودولة .ونجد مثالا للحراك الشبابي الواعي هذا ،متمثلا في مبادرة الأندية الشبابية في محافظة الكرك لرفع صوت الأغلبية الشبابية الصامتة والتعبير عن موقف الجسم الحقيقي للقطاع الشبابي الاردني،وقد جاء البيان الصادر عن الملتقى الشبابي الذي صاغه ثمانية عشر ناديا من أندية المحافظة معبرا عن هذه المعاني .
الحراك الشبابي الكركي هذا يكتسب أهميته من انطلاقه من الكرك تحديدا،وفي هذه اللحظة الحاسمة، ومن كونه يمثل مبادرة شبابية ذاتية وعفوية صادقة،ولأنه جاء من هيئات إدارية منتخبة تمتلك الصفة التمثيلية للقطاع الشبابي في المحافظة.
أما البيان الصادر عن أندية شباب الكرك فقد جاء عابقا بالروح الوطنية الصادقة ،ومفعما بمشاعر الانحياز للوطن بقيادته الهاشمية ومعبرا عن إيمان الشباب الأردني بالدولة الأردنية الهاشمية الآمنة المستقرة ذات الهوية الوطنية المميزة !
إذ يؤكد الشباب في بيانهم وعيهم الكامل على ما يدور على الساحة الوطنية من تجاذبات سياسية لا تخلو من الحق المختلط بأكوام من المغالطات الفكرية والسياسية، ولم يسلم الأمر من الشخصنة،ومحاولة البعض اختطاف المشهد السياسي والاجتماعي برمته وبالصوت العالي!
وأظن أن بيان الأندية الشبابية في الكرك بتاريخ 24نيسان جاء رافضا لهذه الروح الاحتكارية، ومعبرا عن رفض مجتمعي عام لما بات يشكل ظاهرة عامة تستحق النظر ،بحيث يعمد كل مجموعة أشخاص اجتمعوا على وجبة عشاء أو سهرة اجتماعية لأي سبب كان إلى جعل تاريخ سهرتهم هذه تاريخا وطنيا مجيدا يحمل إسما لحركة مزعومة أو الأدهى لتيار سياسي مزعوم ،يصدر البيان تلو البيان في محاولة من الساهرين هؤلاء لإظهار أنفسهم في صورة "الممثل الشرعي والوحيد" للشعب الأردني !!
و يؤكد الشباب الكركي: أن بياننا هذا جاء تأكيدا على حقنا " الطبيعي والفعًال في الدفاع عن مستقبلنا وعن منجزاتنا الوطنية وتحصيناً لهويتنا وذاتنا الوطنية والقومية وتأكيداً لاعتزازنا الدائم بقيادة هذا البلد والتي ما بخلت يوماً بعطائها". ويؤكد شباب الكرك حرصهم على متانة الجبهة الداخلية وأهمية التماسك الوطني العام وصون الوحدة الوطنية "فجميعنا أبناء لهذا الوطن ( من شتى المنابت والأصول ) وعلينا أن نساهم ونعمل معاً يداً بيد من أجل إغناء الحياة الأردنية في مختلف الميادين وتطوير قدراتها وإمكاناتها وجعلها قادرة على المحافظة على استمرار أمنها الداخلي والخارجي واستقرار وازدهار نموها المتكامل نحو الحياة الأفضل، وعلينا في الوقت الذي نلتفت فيه إلى حقوقنا أن نتذكر أيضاً واجباتنا " . و شباب الكرك وهم يعبرون عن وقوفهم خلف الرؤية الملكية للاصلاح المنشود،يؤكدون ثقتهم بخيار الحوار الوطني طريقا وحيدا لحسم الجدل الوطني حول العملية الاصلاحية، ويشددون على ثقتهم بلجنة الحوار الوطني. ونلحظ وعيا راشدا في الخطاب الشبابي الكركي هذا حين يؤكد البيان على رفض التقليد الاعمى " فبلدنا يتأثر بما يدور من حوله وهي بمثابة تجارب علينا أن نتميز عن غيرنا بقدرتنا على الاستفادة من هذه التجارب " مؤكدين حرصهم على ضرورة الإسراع في عملية الإصلاح .
وممثلو القطاع الشبابي المنتخبون في الكرك يرفضون الروح الانتقامية التي تسيطر على البعض ،مشددين على وقوفهم " ضد أي تصرف لا مسؤول يسيء لمجتمعنا ووطننا الغالي ولا يجوز بأي حال من الأحوال التطاول أو الاستقواء على مقدرات الوطن ومؤسساته ومهما كانت الظروف، فكل شيء من أجل الوطن ما دام الوطن في خطر وعلى الجميع تحمل مسؤولياته سواء في التعبير عن الرأي أم في ضمان الحماية الأمنية لكافة المواطنين ".وتعلن الأندية الشبابية في محافظة الكرك إدانتها " الواضحة لما تعرض له أبناؤنا في جهاز الأمن العام في الفترة الأخيرة من أحداث مؤسفة نتمنى أن لا تتكرر، وهي نتيجة أفعال وممارسات غريبة عن مجتمعنا الأردني الحبيب".
في اعتقادي نحن أمام خطاب يمثل النبض الحقيقي للشباب الأردني وعيا وصدقا وانتماء ،ويزيح كثيرا من اللبس الذي دفع البعض للاعتقاد بأنه يمكن لأي عابر سبيل أو لأي غر في العمل السياسي أن يتاجر ببراءة الشباب الأردني .