قراءة واقعية ونفسية لثورات وتحركات الشعوب العربية,وهل هي مؤامرة؟!
أتمنى منكم يا إخوة بدايةً الاستماع بتَروٍّ وتأنٍّ, لِما ستُدليهِ أدنى تلميذاتكم علماً وقدراً ومكانة, والتي قد تُصيب أو تُخطيء, وإن أخطأتُ فصوّبوني.
بالتأكيد أنَّ ما يحصل لدى الشعوب العربيَّة, من ثورات متتالية, وتحرُّكات أصبح يُثير العَجَب العُجاب ؟! سِيّما امتدادها إلى كل من سوريا والبحرين واليمن, وكأنها انفلات حلقات سلسلة؟! لذا ارتأيتُ أن أنظر لهذه الثورات من منظورٍ حياديٍّ عقلانيٍّ موضوعيٍّ لكلا الطرفين.
ودعونا نتفق على كلمةٍ سواء, بأنَّ هذه الثورات تُطالب (بإسقاط الأنظمة) المتمثلة بتنحِّي الزعيم وحاشيته" رغبة بالحُريَّة والإصلاح والقضاء على الفساد"كما عبَّرت شعاراتهم.
سأبتعد أولاً عن تفسير الثورات من منطلق "عقدة المؤامـــرة" التي تُحاك بنا, والتي يتغنّى الكثير بسيمفونيِّتها!! ولا زلنا نعيش تحت ظل تخديرها للآن, لرأي شخصي بسيط, لأن عقدة المؤامرة أصبحت الشمَّاعة التي نُعلق بها جميع ما حلّ بنا من نكبات, ولو أخفق الطالب في الامتحان, لقلنا أنها مؤامرة؟! سبحان الله وكأننا (شعوبٌ مُســيّرةٌ مَغشيٌّ عليها). وهذا يتنافى مع نعمة العقل والقلب التي رزقنا الله إيَّاها, ومع (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم) والتي هي ظاهرة للعيان!!!*****على أيَّـة حال
***كثيراً ما يؤرِّقني هذا الشعور وأتساءل, هل ثورات الشعوب على الزُّعماء هي من قبيل سَخَط وانتقام ربِّ العالمين منهم (فربّك بِالْمِرْصَادِ)!!لا أدري (عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى),وكما جاء في الحديث" من طلب رضا الناس بِسَخط الله سخط الله عليه
وأسخط عليه الناس", .من منا يُنكر تواطؤ وتخاذل العديد من الزُّعماء العرب مع الكيان الصهيونيِّ سرّا وعلانية, ومن منا يُنكر مواقفهم تجاه مظلمة إخوتنا في غزة ولبنان والعراق وغيرها, وحين البأس سرعان ما يضربون بيدٍ من حديد, بإشهار سلاح "الشجب" و "الاستنكار"؟! ومن منا يُنكر افتقار العديد من الشعوب للعدل وتفشي الظلم و و...الخ, من منا يُنكر أن الزُّعماء العرب استبدلوا دستور ومنهج ربَّنا(القرآن والسُّنة) الصَّالح لكلّ زمانٍ ومكان, بدساتيرهم البشريَّة العنكبوتيَّة الهاوية, والواهنة, في تسيير حياة الشعوب !! (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ), ألم تسعى بعض الأنظمة للعلمانيَّة ؟!.فأمثال هؤلاء الزعماء كتربةٍ سَبِخَة مَالِحَة لَا تُنْبِت شَيْئًا!!!لماذا لا نعترف بأخطائنا؟! ونلقيها على عقدة المؤامرة ؟!
ومن جانبٍ آخــــر, ألا ترون معي أنَّ ما حلّ بنا من نكبات
****لأننا شعوب "فاسقـة", "نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ
أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الفَاسِقُون". يا ترى هل نحن فعلاً فاسقون أم ماذا؟!
ســــــؤال بريء يؤرّقني ؟! لماذا لم نسمع بمظاهرات مليونيَّة في ميادين التحرير, وتحرّكات حزيران وتموز, و.....الخ, لدى الشعوب العربيَّة, حينما اغتُصبت فلسطين, وفتياتها المغتصبات يستصرخنَ و يستغثنَ بالعرب ولكن "لا نُحرّك ساكناً", وهُدِّم الأقصى وقُتلوا وسُفكوا وقُطِّعوا أشلاء إخوتنا في غزة ولبنان, أمام ناظرينا عياناً, نهاراً جهاراً, ولا نُحرّك ساكناً, أم قمنا بمظاهرات استعراضيَّة وكفى؟! أم
لم يحصل بعد ما يوقظ الضَّمائر العربيَّة ؟! أصبحنا حيارى عقول بشأن ما يعترينا والله؟!!
*****وكقراءة نفسيَّـــــــــة لن أتعمَّق بالتخصصيَّة العلميَّة مراعاة للجميع, وهذا التفسير ليس كتعميم لجميع الثورات, بل لبعض الأفراد في بعض الثورات والتحرّكات, فالدوافع للثورات تختلف من فرد الى آخر, ومن مجتمع إلى آخر كلّ حسب متغيِّراته وعوامله سواء الداخلية أو الخارجية, والتي لا يُميزها إلا كل ذِي عَقْل وَلُبّ!!
ألا تُعد دوافع البعض (للتحركات) والثورات, هي من قبيل "تقليــد أعمــى " نعم تقليد أعمى ولِمَ العَجَب, أنسيتم أننا كعرب متميِّزون في هذا المجال!! بدءاً من تقليد الغرب بكل ما هو رديء, وترك كل ما هو نافع!! والآن بدء تقليد ثورات الشعوب.ألم تُعد ثورة (تونس )هي نموذج ثورات الشعوب المتتالية؟!وكم فرد حرق نفسه تلو بوعزيزي ؟! يفترض علماء التعلم الاجتماعي أن النمذجة Modeling, أو التعلم بالملاحظة, أحد طرق التعلم. أي من خلال ملاحظة (نمــوذج ما) يتم تقليده, ولكن بعد إخضاع النموذج للـ(فلترة) أي وجود جانب انتقائي بالتقليد, بتوسط العمليات المعرفية بين الملاحظة للأنماط السلوكية التي تؤديها النماذج, وتنفيذها من قبل الشخص الملاحِظ، ولكننا نحن العرب اختزلنا (النماذج ) إلى تقليد "أعمى", ووسيلة (للتعويض) عن الشعور "بعقدة النقص" التي لطالما نعمل جاهدين للتفوّق عليها؟! لذا نذوب وننسلخ بغيرنا, دونما أدنى تفكيـــر وتمحيص لما يناسبنا.
ومن جهةٍ أخرى قد تكون دوافع بعض الأفراد للثورات والتحرُّكات من قبيل منظور علماء النفس المعرفي أمثال ميللر ودولارد (نموذج الإحباط والعدوان Frustration/Aggression Model (أي أن العدوان نتيجة الإحباط في إشباع الحاجات الهامة للأفراد ) ومن منا ينكر افتقار العديد من أفراد الشعوب لإشباع الحاجات الأساسية كالمأكل والملبس والمشرب...الخ؟؟!! فبعض الثورات والتحركات هنا نتيجة حتمية متوقعة, وليست مؤامرة؟!وقد تعود أيضاً نتيجة الافتقار للحاجة للأمن Need for security (أي الافتقار للعلاقة الآمنة بين الشعوب وأنظمتها) والأمثلة على ذلك حدّث ولا حرج, أبسطها المعتقلات السياسية والتنكيل بالتعذيب لمن يفتح فاه؟! و نتيجة للافتقار لهذه الحاجات, يسعى الفرد للتحرر من التوتر والقلق, بدينامية الكراهية Hate Danamism للأنظمة السائدة, لذا فظاهر بعض الأفراد الرضا وباطنهم الكراهيَّة والسَّخط!!, من ثمَّ اختزال التوتر الناجم عن دينامية الكراهية إلى تفكير خفي, أو سلوك ظاهر كالثورات والتحرّكات.
ومن جانبٍ آخر أقـــول لا نبرِّئ الشعوب, فهي التي من صنعت "وفَـرْعَنَتْ" بعض الزعامات التي تثور عليها الآن, ألـمْ يبزُغ فجر الزَّعيم من بين ظهرانيهم؟ ومن رَحِمهم ولدنهم وخلدهم ؟!هذه الشعوب لم تُمارس دورها بحق تجاه زعمائها,(بإصلاح الاعوجاج) بل سلّمت بالإذعان والاستسلام والقَبُول, وحين البأس فإنهم يلجؤون إلى التّخفيف من القلق, والتوتر, والشعور بالغربة والاغتراب والضياع على مصيرهم (بالكبــت ) Repression, إلى أن تراكمت المكبوتات وخرجت كفوَّهة بركان,عن طريق المظاهرات المليونيَّة الحاشدة.
وفي المقابل "الكبت" والذي يُعبَّر عنه بالصَّمت,واستبعاد الخبرات والأفكار والرَّغبات المؤلمة من الشعور إلى اللاشعور, وبالتالي الوقوف من الحاكم موقف الظمآن المحروم, والكابت المكظوم, عبر مرور السنون الطويلة, ماذا أوجد لدى بعض الشعوب يا تُرى ؟! ألمْ يُوجِد أسلوب الخضوع للسلطة" الظالمة" والذي يتفرّع منه ثلاث أنماط نفسية (1) النمط المنقاد أو التابع Leaning type (2) والنمط التجنُّبي Avoiding type وكلاهما عرضة للأعراض العُصابيَّة, كالقلق العام والفوبيا والتوتر وغيرها.وعرضة بتفجر المكبوتات بأي لحظة وتفريغها بالثورات والتحركات, وعلى الطرف الآخر هذا الكبت ماذا يُشكِّل للزعيم يا تُرى؟ ألا يُشكِّل له نوعاً من "التعزيز المعنـوي" الذي يُساهم في زيادة انغماس وتكرار الزعيم بسلوكاته الهجينة. أما النمط النفسي الثالث أرتئي أن أتركهُ لكم بتحديد مُسمّاه ومثــواه الأخيــــــــر ؟!