رغم الخطابات النارية، لأسبوع، تحت قبة البرلمان الأردني، حاز رئيس الحكومة الدكتور، بشر الخصاونة، على ثقة 88 نائبا، ولم يكن رئيس الوزراء يخشى للحظة أن يُخفق باختبار الثقة، فمنذ عودة الحياة البرلمانية في البلاد، عام 1989، وكل الحكومات، مهما كانت، تحظى بثقة ودعم البرلمان.
لا يبدو ما يحدث غريبا في الأردن؛ فالبرلمان لا يُعبر عن صراع حزبي سياسي، وباستثناء تواجد خجول لممثلي "الإخوان المسلمين"، فإن الغالبية وصلوا البرلمان بدعم "عشائرهم" أو بنفوذهم المالي، وهؤلاء يحظون بمباركة ودعم السلطة ومراكز صنع القرار في الدولة.
لم يمضِ على تشكيل حكومة الخصاونة سوى 100 يوم، حتى بدأ الحديث يتواتر عن توجه الرئيس لإجراء تعديل وزاري على حكومته في القريب العاجل، وكثرة التعديلات والتغييرات في الحكومات الأردنية ليست بدعة اخترعها الرئيس الخصاونة، وإنما بصمة متوارثة كانت في عهد الملك الراحل الحسين، واستمرت في عهد العاهل الأردني الملك عبد الله.
وليس مُستغربا أن 20 عاما منذ تولي الملك سلطاته الدستورية شهدت تشكيل 19 حكومة تعاقب عليها 13 رئيسا، وهذا يعني باختصار أن تعديلا وزاريا يحدث على الأقل كل عام، وبعد مرور 100 عام على تأسيس الدولة الأردنية فإن الأرقام تتحدث عن 102 حكومة مرت خلال قرن من الزمان.
فلسفة تشكيل وتغيير وتعديل الحكومات المستمر بسيطة، ومُلخصها تحميل كل الخطايا للحكومات ليبقى العرش مُحصّنا وبعيدا عن الاتهامات والظنون والشكوك.
الطريف أن رؤساء ووزراء يدخلون ويخرجون من الحكومات، وبعضهم يُجاهر بالقول إنه لا يعرف لماذا اختير رئيسا أو وزيرا، ولماذا استبعد أو استبدل؟، وهذا قد يكون قياسيا خلال أيام أو أشهر.
حاول رئيس الحكومة السابق، عمر الرزاز، أن يؤسس منهجا جديدا بتقييم أداء الوزراء ليكون مسطرة في استمرارهم أو رحيلهم، ولكن واقع الحال أنه أجرى أكثر من تعديل دون أن نعرف ما هو السر وراء اختيار هذا الوزير أو الاستغناء عن خدمات الآخر.
بتكتم شديد تُشكل الحكومات في الأردن، وبتكتم لا يقل سرية تجري التعديلات الوزارية، وبقي طوال هذه العقود الطويلة الهمس أن معادلات صناعة وبناء الحكومة ما هي إلا توليفة من التوازنات الجغرافية والمصالحية، وحصيلة للتفاهمات والتوافقات بين الديوان الملكي ودائرة المخابرات ورئيس الحكومة.
بعد أن ينتهي الرئيس الخصاونة من إقرار الموازنة العامة للدولة في البرلمان، سيتجه إلى إجراء التعديل الوزاري، وتتملكني الحيرة ولا أعرف حقيقة إن كانت الثلاثة شهور الماضية كافية للحكم على أداء الوزير بالنجاح أو الفشل، ومن هو الوزير "السوبرمان" الذي يستطيع أن يصنع التغيير في وزارات ترهلت، واتخمت بالبطالة المُقنعة؟
منذ ما يُقارب 25 عاما، استهل مركز الدراسات الاستراتيجية تقليدا بعمل استطلاع رأي لقياس الرضى عن أداء الحكومات بعد 100 يوم على تشكيلها، وكانت نتائج هذا الاستطلاع في بداياته تؤثر على مزاج الشارع وصانع القرار، واليوم يكشف برنامج راصد لتقييم الأداء الحكومي عن أن 9 بالمئة فقط يرون أن الفريق الوزاري لحكومة بشر الخصاونة كان قادرا على تحمل مسؤولياته بشكل كبير، في حين يرى 30 بالمئة أن الحكومة تحملت مسؤوليتها بشكل متوسط، و27.5 بالمئة بشكل ضعيف، و33.5 بالمئة يرون أنها لم تكن قادرة على تحمل مسؤولياتها.
المهم في الاستطلاع أن 44.5 بالمئة يرون بشكل كبير ضرورة إجراء تعديل وزاري على الحكومة، وما يجدر قوله إن الحكومات لا تخضع لمتطلبات الشارع أو استطلاعات الرأي، والهواجس التي تحركها لا يمكن التنبؤ بها في كثير من الأحوال.
بعد مرور 100 يوم على تشكيل الحكومة تبدو أكثر استرخاء وارتياحا في التعامل مع جائحة كورونا والاستحقاقات التي فرضتها، فهي اليوم تطوق حالة "التفشي الوبائي"، وبدأت أعداد الإصابات والوفيات بالتراجع، وتزامن هذا كله بإنشاء خمسة مستشفيات ميدانية حجمت المخاوف من فشل النظام الصحي، وسمحت للحكومة بتخفيف إجراءات الحظر والإغلاق، وتمديد ساعات التجول، وفتح المزيد من قطاعات الأعمال.
تتنفس الحكومة الصعداء بعد تدشين حملة التطعيم الوطني ضد فيروس كورونا، وتأمل أن تساعدها على عودة الحياة لطبيعتها في أقرب الآجال، والمشكلة التي يجب أن تتصدى لها وتجد لها حلولا، كيف تُخرج البلاد من أزمتها الاقتصادية المتفاقمة، وكيف تنتشل الناس من عوز الفقر، وجحيم الِبطالة التي انتشرت أكثر بعد إغلاق العديد من المنشآت الاقتصادية جراء الجائحة؟
لا تملك الحكومة حلولا سحرية، وهذا يزيد الضغط على الحكومة ويضعها في مواجهة الشارع المتذمر، والموجوع، والغاضب، ويُراهن الأردن أن المجتمع الدولي لن يتخلى عنه، وأن المساعدات رغم شُحّها وتراجعها ستمكنه من الصمود والمواجهة.
فوز الرئيس الأمريكي بايدن عزز الآمال والرهانات أن مرحلة الحصار السياسي والاقتصادي لعمّان قد طويت، وأن سيد البيت الأبيض الجديد وفريقه الأكثر قُربا وتفهما، سيدفعون الأردن إلى المشهد وإلى مركز الثقل وصنع القرار، وهو ما يُعزز فرصه بمزيد من المنح والاستثمارات، وهذا قد يخفف من الإخفاقات السياسية.
الرهانات السياسية على التحولات بالمنطقة في عهد بايدن قد تتطلب بالتوازي نفض الغبار عن ملف "الإصلاح السياسي" المُجمّد منذ سنوات، وإيلاء الاهتمام ولو قليلا بإصلاحات في "السيستم" السياسي الذي تقادم، خاصة وأن الرئيس الأمريكي يرفع فزاعة الديمقراطية على رأس أولويات أجندة عمله في المنطقة.
الأردن من أكثر الدول براعة في استشعار التغيير، ويملك مجسات ترصد التحولات، وإن كان الإصلاح السياسي مطلبا مُلحّا فإن انعكاساته قد تتراءى في اختيارات الرئيس في التعديل الوزاري، وقد يمتد الأمر إلى تغييرات في الديوان الملكي لتُقرأ الرسالة في الخارج قبل الداخل.
يعرف الرئيس الخصاونة ماذا يُريد الملك، وماذا يُريد العالم، ولهذا فإن التوليفة الجديدة تتجاوز مرحلة كورونا للبحث عن آليات الخلاص من الأزمة الاقتصادية والسياسية.