لكل ذات في الدنيا صفات تتشابه مع ذات أخرى ، تتفق تارة وتختلف في وقت آخر ، وما ذاك إلا لاختلاف مراتب النفس من حين لآخروتفاوت النظرات من شخص لغيره ، فما تراه الآن جيدا قد تراه بعد صار سيئا ، وما كنت تراه قبيحا فهاهو الآن في عينك جميلا ، لهذا كله ، ليس عيبا أن نغير من وقت لآخر نظرتنا للحياة وأن نبدل مفهومنا لما آمنا به وصدقناه ليس كفرا بل إيمانا لتوسع نظرتنا الشاملة لذلك الأمر .
لكن الروح اذا مازجت روحا أخرى لا تنفك عنها ولا تملها ، بل تراها تواقة إلى رؤياها وإلى التماسك بها ، على خلاف العين ، فما تهواه العين فقط فمصيره الزوال ، وما تهواه العين والروح فمصيره الاتحاد في شيء واحد لا يقبل الانفكاك عنه ولا الابتعاد عن ماهيته ، لأنها تستمد قوتها منه ، وتأخذ مددها من عظمته . فلربما ترى شخصا للمرة الأولى تجد نفسك معلقة به ، وكأنك عرفته منذ قديم الزمان ، نعم , لقد عرفته منذ زمن بعيد ، فالأرواح جنود مجندة ما تعارف منها اأتلف وما تناكر منها اختلف .
صديقي.
كنت أنظر إليك نظرة المعجب بداية ، وفكرت في تلك النظرة فتبين لي أن لها في قلبي مسكنا مجهزا لاستقبالك ، ولم أعهد لنفسي ذلك الاحساس إلا عندما فاجأتني بكلماتك ، ومن ثم زدت ذلك بمعاملتك لي ، بحبك لي ، بسترك عن هفواتي وزلاتي ، بحبك لما أحب وببغضك لما أبغضه ، لا أريد أن أتملك زمام أمورك ، لكني ما عهدت نفسي أن أكون في مثل هذه المنزلة لأنها تعني لي الكثير ، فالصداقة أمر لا يستهان به ، ولا يستخف بصاحبه ،لعظم مقامه وارتفاع درجته .
أكتب كلماتي وأنت في مخيلتي . أذكر صفاتك الخٌلقية لأتبين من خلالها معالم طريقي في الوصول إلى ملامح طلتك التي لا تفارقني في لحظة من لحظاتي ، إن فرحت فأنت أول الناس تهنئة لي ، وإن حزنت فأنت أول من يواسيني ، إن مرضت فأنت المقيم جنبي ، وإن شفيت فبقربك مني .
ملأت علي أيامي سعادة وهناء ، وجعلت الدنيا جميلة في عيني ،أنت جمال عيني وأنت مقياس الجمال في نظري : فما شابه رسمك فهو جميل ، وما قارب طلتك فهو قريب لقلبي ، وما اختلف في عينك بعد عن خاطري ووجداني . لقد تعلمت منك الكثير الكثير ، علمتني كيف أتعامل مع نفسي ، مع أبي مع أهلي مع زملائي ، جعلتني أحترم مشاعري تجاه الآخرين ، فلقد حملتني ثقلا من العادات والأخلاق الحميدة التي لا أستطيع حملها إلا بمساندتك لي وعونك لي ، فلا تغضب مني ولا تحمل علي ، فإني مكثر عليك في غمي وإعيائي ، فابق كما علمتني ، وكن كما نصحتني لأكون لك كما أردتني .