وعندما نقول ( جديد ) , فنحن إنما نعني أن يكون هذا الحزب ( المنشود ) , لا يماثل ولا يشبه أيّا من الكيانات والأحزاب ( اليسارية ) الموجودة الأن على ساحة العمل الحزبي في الأردن ... فهو , لن يكون امتدادا للحزب الشيوعي الأردني على سبيل المثال , مع اعترافنا بريادية هذا الحزب وتراكم تجربته النضالية الممتدة على مدى 60 عاما , ولن يكون كذلك امتدادا لأيّ حزب قومي يساري ( حشد او الوحدة الشعبية على سبيل المثال , لا الحصر ) , وهو بالتأكيد لن يكون نسخة منقحة عن أيّ من ( احزاب ) البعث الموجودة في الأردن او في باقي الأقطار العربية , ... إذن هو جديد ليس فقط في الشكل , بل في المحتوى والمضمون كذلك , ... سيكون حزبا يساريا يستلهم كل التجارب ( المريرة في الأغلب الأعم ) التي خاضتها احزاب اليسار في الأردن والوطن العربي والعالم .... ويستفيد من كل النجاحات وبنفس القدر , من الإخفاقات العديدة التي كادت ان تودي بحلم الجماهير العربية في استكمال مرحلة التحرر الوطني وتحقيق الآمال العريضة للجماهير العربية في الإستقلال والتحرر السياسي والإقتصادي .... وبهذا , فإنه سيكون حزبا ( توافقيا ) , ان صح ّ التعبير , حزبا يكون مظلة لكل الوان الطيف اليساري في الأردن , مما يجعل جميع من سيشارك في هذه الصيغة ( مضطرا ) لتقديم تنازلات , قد تكون جوهرية و ( مرّة ) , حتى يتجنب مستقبلا قد يكون اكثر مرارة ... ( فالتاريخي ) , عليه ان يتواضع قليلا امام ضرورة توحيد اليسار , بالتنازل عن ( تاريخيته ) ,فاختباء حزب ما وراء تاريخ ( لا نشك للحظة انه مجيد ومصدر اعتزاز وافتخار ) لا يعفي هذا الحزب من المسؤولية التاريخية عن عدم العمل بجدية من اجل خلق يسار جديد راهنا او مستقبلا .... وعلى الأحزاب ذات الجذور الفلسطينية ( التي كانت تنظيمات فلسطينية على الساحة الأردنية , ثم تحولت الى احزاب اردنية بموجب قانون الأحزاب , عليها ان تتخلى عن لونها الفلسطيني , الذي كان دائما سببا في ان لا يكون الأردن ذا اولوية في برنامجها النضالي ... أعني ان تأسيس حزب يساري اردني جديد يستدعي من الجميع الخروج من القوقعة التي فصّلها على مقاسه ... يستدعي فهما وتفهما جديدين لمتطلبات المرحلة ....
أمام الواقع المؤلم للخارطة السياسية في الأردن , سواء على صعيد ( قوى الموالاة ) او ( قوى المعارضة الوطنية ) , لا يستطيع المواطن الغيور على حاضر الأردن ومستقبله , الا الرثاء لما يعيشه اليسار الأردني وما يعانيه من حالة ( مزمنة ) من التشرذم والتفتيت , وما نجم عن ذلك من ( عزلة ) لهذا اليسار بكل مسمّياته وتلويناته عن الشارع الشعبي , وهو امر اصبح يثير مزيجا من الحزن والأسى والسخرية في آن واحد .... وبداية , لا بد من التأكيد على أن هناك فرق كبير بين ان تنقد اليسار الأردني وأداء هذا اليسار ( من داخله ) , وبين ان ينقده آخرون من مواقع معادية اصلا للفكر اليساري ومنطلقاته النظرية , بكل ما ينطوي عليه ذلك ( النقد ) من سوء نوايا مبيّته نحو اليسار ....
ما هو اليسار ؟ ومن هو اليساري ؟
تاريخيا ومنهجيا , فإن اصطلاح ( اليسار ) , كان يفهم ( ويجب ان يفهم الآن ) كاصطلاح فيه من ( النسبيّة ) اكثر بكثير من ( الإطلاق ) , ولهذا , فإن لهذه التسمية معاني متعددة ومدلولات مختلفة باختلاف المكان والزمان وتشكيلة خريطة القوى السياسية في البلد المعني .... ففي بلد مثل الولايات المتحدة , يعتبرون الحزب الديمقراطي ( يسارا ) , وذلك فقط , لأنه يناقض في الكثير من اطروحاته السياسية والإجتماعية الحزب الجمهوري ( القلعة المتينة لليمين الأمريكي ) , وفي دولة الصهاينة , ( ويا للمفارقة ) يعتبرون حزب العمل ( يسارا ) , مع علمنا الأكيد انه لا يقل وحشية وشوفينية وفاشية عن أي حزب صهيوني آخر , بل إن حزب العمل الإسرائيلي عضو في الإشتراكية الدولية التي تضم بعض اطياف اليسار العالمي من الأحزاب الإشتراكية ....
إذن , لنحاول معا ان نضع تعريفا نتوافق عليه ( ولو ضمن الحدود الدنيا ) لكلمة ( يسار ) و ( يساري ) , في بلدنا ( الأردن ) , ثم سنحاول تبيان الأسباب التي تدعو الى وحدة هذا اليسار , بل واعتبار هذه الوحدة ضرورة ملحّة , ولها الأولوية على ما غيرها من المهمات ....
* اليسار : صفة , او تصنيف لموقع حزب ما , اذا ما كانت مواصفات هذا الحزب ضمن المفاهيم التالية ( في الأردن تحديدا ) ...فاليسار الأردني يجب ان يكون حزبا وطنيا ديمقراطيا شعبيا , يعبر في ادبياته ( ابتداء من نظامه الداخلي ) , عن مصالح الطبقات الإجتماعية الأكثر تضررا من سياسات التحالف الطبقي الحاكم عبر العقود التسعة الماضية .... أي منذ تأسيس المملكة الأردنية الهاشمية في بدايات عشرينيات القرن المنصرم .... حزب علماني بالضرورة , يستطيع ان يقف بحزم امام تغوّل وهيمنة الأحزاب الدينية وخطابها الديماغوجي , وكذلك امام زحف الفكر التكفيري لبعض الفصائل الأشد ظلامية من الإسلامويين , وضد ما يحيكونه ضد المجتمع وما يشكلونه من تهديد جديّ وخطير ودائم للسلم الأهلي والأمن الإجتماعي ...
* اليسار في الأردن ( اليسار الأردني الجديد الذي ادعو اليه ) , هو يسار فضفاض ... نعم فضفاض , وما العيب في ان يكون فضفاضا يتسع لكل الأفكار المناهضة لتنظيرات اليمين والليبرالية الجديدة , ... يسار برامجي , وليس يسارا ايديولوجيا ... يسار يستطيع تحريك الشارع ... يسار يستطيع عندما يدعو الى مسيرة او مظاهرة او اعتصام ان يجمع الف والفين وعشرة آلاف من الأعضاء والأنصار والمؤازرين .... يسار ينزل الى الشارع ... الى الجماهير الأكثر تضررا ليقود نضالاتها في وجه التغوّل الممارس عليها من التحالف الطبقي الحاكم , وعلى كل الأصعدة ... السياسية والإقتصادية والثقافية والإجتماعية ....
• في نهاية الجزء الأول من هذه الرؤية لضرورة تأسيس ( يسار اردني جديد ) , ارى انه من المهم ان اذكّر الرفاق الأمناء العامين للأحزاب اليسارية ( المتشرذمة ) وكوادرها العليا من اعضاء المكاتب السياسية واللجان المركزية , بأنهم يتحملون جميعا هذا الوزر , وزر الشرذمة والتفتيت , وعدم وضوح الرؤية , وحالة الشلل و ( الشللية ) وانعدام الديمقراطية الداخلية ... انهم جميعا امام مسؤولية تاريخية ضخمة وخطيرة , والتاريخ لن يرحم احدا منهم ... واقول لهم بمنتهى الإحترام لكل تجاربهم النضالية ولكل تاريخهم النضالي وتراكمات هذه التجارب وهذا التاريخ ... هلموا الى طاولة مستديرة ... فالوقت يمضي بأسرع مما تتصورون ... والجماهير الأردنية اصبحت تعاني أشد المعاناة من مجمل السياسات المفتقرة الى ( الشعبية ) , والشارع الآن , قد يكون مهيأ اكثر من أيّ وقت مضى لتوحيد قوى اليسار وصهرها في بوتقة نضالية واحدة , سيكون تأثيرها السياسي والإجتماعي والثقافي والإقتصادي أشد وأقوى واكثر انتاجية