زاد الاردن الاخباري -
كتب الدكتور رعد محمود التل من قسم الاقتصاد بالجامعة الأردنية:
يقيس مؤشر مدركات الفساد (Corruption Perceptions Index) الصادر عن منظمة الشفافية الدولية حجم الفساد في القطاع العام لأكثر من 180 دولة، ويصنفها من الأقل فسادا (100 نقطة على المؤشر) الى الأكثر فسادا (صفر نقطة) بناء على مسوحات تجريها 13 مؤسسة دولية. في هذا العام أظهرت النتائج أن ثلثي دول العام كانت ما دون الـ 50 نقطة بمعدل نقاط قارب 43 نقطة لـ 180 دولة. بالنسبة لدول منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا والتي تتشكل من 18 دولة فقد كان معدل نقاطها 39/100 نقطة على مؤشر الفساد مقارنة مع 66/100 نقطة حصلت عليها 31 دولة شكلت الاتحاد الأوروبي، وهي إشارة واضحة أن منطقة الشرق الأوسط ما تزال تعاني وبشدة من الفساد والقدرة الضعيفة على مكافحته والسيطرة عليه.
وفقا لنتائج مؤشر الفساد للعام 2020 فقد احتلت الدنمارك وفنلندا المرتبة الأولى بواقع 88 نقطة من 100، في حين حلت كل من الصومال وجنوب السودان المرتبة الأخيرة بواقع 12/100. أما بالنسبة للدول العربية فقد تباين موقعها على المؤشر لهذا العام، حيث حققت الإمارات العربية المتحدة وقطر الأداء الأفضل على الصعيد الاقليمي، مسجلة 71/100 و66/100 نقطة على التوالي، بينما الدول التي ما تزال تعاني من اضطرابات داخلية مثل ليبيا 17/100 نقطة، واليمن 15/100، وسورية 14/100 نقطة كانت من بين الاسوأ أداء في المنطقة.
فيما يتعلق بالأردن فقد خضع هذا العام لتقييم 8 جهات ومؤسسات دولية لقياس حجم وانتشار الفساد في مؤسساته العامة، حيث تقدم كل جهة من هذه الجهات تقييمها ومؤشراتها الفرعية ليصار بعدها إلى تجميعها في المؤشر الكلي المتمثل بمؤشر مدركات الفساد. وقد حل الأردن بالتشارك مع أرمينيا وسلوفيكا بالمرتبة 60 على المؤشر من أصل 180 دولة محرزا 49 نقطة من 100 بزيادة مقدارها نقطة واحدة فقط مقارنة بالعام الماضي.
استند المؤشر الكلي لتقييم الفساد بالأردن على ثمانية مؤشرات فرعية، حيث تقيم هذه المؤشرات واقع الفساد بالاردن من خلال: تقييم فعالية منظومة النزاهة، وإجراءات صرف المال العام، ومدى انتشار الرشاوى في القطاع العام، إضافة إلى الواسطة والمحسوبية واستغلال المسؤولين الحكومين للوظيفة العامة. بالنظر إلى هذه المؤشرات، فقد أظهر مؤشر (Global Insight Country Risk Ratings) وهو أحد ثلاثة مؤشرات مختصة بقياس الرشاوى في القطاع العام، أقل قيمة بين جميع المؤشرات الفرعية للأردن بواقع 35/100 نقطة، بإشارة واضحة لعمق ظاهرة الرشاوى محليا حسب منظمة الشفافية الدولية. أما فيما يتعلق بفعالية آليات النزاهة وملاحقة من استغلوا مناصبهم قضائيا فقد حصل الأردن على رقم منخفض أيضاً بواقع 37/100 على هذا المؤشر. وعلى صعيد قياس الواسطة والمحسوبية ومدى استغلال المسؤولين الحكوميين للوظائف العمومية فقد أظهرت النتائج حصول الأردن على 50/100 و54/100 نقطة على التوالي بالمؤشرات الفرعية.
هذه النتائج غير مرضية ولا تعكس رؤية القيادة الهاشمية التي وجهت في معظم كتب التكليف السامية للحكومات وأغلب الأوراق النقاشية نحو تعزيز منظومة النزاهة ومكافحة الفساد، وإنني على يقين بأنها لا ترضي قيادات الأجهزة الرقابية في الأردن ولا ترضي المواطنين قطعا. إن مكافحة الفساد وتعزيز قيم النزاهة بات اليوم علما وتخصصا دقيقا أبعد من مجرد قرارات أو مجموعة إجراءات تتخذ، وهو ضرورة وطنية ملحة ستنعكس إيجابا على حياتنا جميعا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، إضافة الى مؤشر مدركات الفساد!