أمس تحدثت على الشات مع عدة أصدقاء مغتربين ، حواري معهم جميعا كان حول غربتهم ، وعن شعورهم بالغربة ومدى الحنين إلى ديارهم وأوطانهم وأولادهم .
جميعهم بلا استثناء اخبروني بأن الغربة الجرح الذي وضعت يدي عليه بالنسبة لهم .
شعرت بهم وهم يتحدثون ، ولمست فيهم شوقا ولهفة للوطن والديار ، للعائلة والأبناء ، وأشعلت فيهم بلا قصد ذكريات أماكن حملت في ذاكرتهم .
حسن مصري مغترب في إحدى دول الخليج منذ سنتين ، أعلمني أن زوجته وضعت طفلا ، أسماه محمد لكنه لم يراه إلا من خلال الصور . وأعلمني بأنه مشتاق \"للفطير المشلتت\" ، وبلهفة لزيارة قبر السيدة زينب .
عصام لبناني مقيم في ليبيا ، ويعمل في خط أنابيب النفط ، له أم ترقد على سرير الشفاء ، وأظنه بكى عندما قال لي أنه يخاف أن تموت دون يراها ، وانه يلعن الغربة شو مرة \"
محمود أردني مغترب في تورنتو / كندا ، هو بالذات أحب الحديث معه كثيرا ، إذ انه رغم السنين التي مرت عليه في كندا ، إلا انه ما زال يحتفظ في معجمه بكلمات أردنية أصيلة ، ولولا مدى الصداقة والمعرفة معه والثقة ، ولولا انني تاكدت من انه مقيم في كندا لظننت انه يقبع في منطقة من مناطق الجنوب النائية . أذكر انه قال لي مرة أنه يتخالف كثيرا وأن عليه مخالفات سير وقيادة بمبالغ طائلة ، وأضحكني عندما قال لي \" يا زلمة هذول ما بنفع معاهم هون لا يا قرابة ، ولا يا ابن عمي ، ولا العشم بالطيبين \" والله الأردن ارحم .
بمختصر القول ، عندما تتحدث مع شخص مغترب ، عن مدى الحنين والشوق لوطنه ، تراه يتكلم باعلى درجات المصداقية وأنقى مشاعر الشوق والحنين لوطنه .
تجده يقارن بين وطنه وبين اغترابه ، ليصل لنتيجة واحدة ، ان بلدي ارحم . ويقولون لك \" احنا ما عرفنا قيمة بلدنا الا بعد ما اغتربنا \" ، وانهم ما شعروا بحجم الحب الذي يحملونه لوطنهم الا بعد اغترابهم وبعدهم عن ديارهم .
لكن وللاسف ، هناك أشخاص اعطاهم الوطن ما اغناهم عن الغربة ، فحظوا بالبقاء بجانب ابنائهم واسرهم وبرغد العيش ، الوطن اعطاهم اكثر مما اعطوه ، ومع هذا يخلعون رداء الشوق وشعار الحب اذ خلوا مع انفسهم .
قد اكتفي بالدعاء عليهم بالغربة في بقاع الارض ، فلعل الغربة قد تعلمهم الحب والشوق ، وصدق الانتماء لهذا التراب .
المحامي خلدون محمد الرواشدة
khaldon00f@yahoo.com